إلاّ انّه لا بدّ من احراز انّ تفويت المصلحة بترك جانب الوجوب لا يؤول الى الوقوع في المفسدة ، واحراز ذلك دونه خرط القتاد.
ثمّ انّه هناك موارد يمكن دعوى التمسّك بالقاعدة لتحديد الموقف الشرعي منها أوكلناها لمتابعة القارئ الكريم.
ثمّ انّ البحث عن تماميّة القاعدة أو عدم تماميتها يقع في مقامين :
المقام الأوّل : والبحث فيه صغروي ، أي البحث عن وجود بناء عقلائي قاض بهذه القاعدة ومع افتراض وجوده واقعا فما هي حدود هذا البناء العقلائي؟
المقام الثاني : والبحث فيه كبروي ، بمعنى انّ الشارع هل أمضى هذا البناء العقلائي ، وما هي حدود هذا الإمضاء؟
أمّا المقام الأوّل : فإجمال الحديث عنه هو انّ الذي عليه البناء العقلائي ينافي الاحتمال الاول لمعنى القاعدة ، فإنّ ما نراه بالوجدان انّ الترجيح في حالات الدوران ـ عند العقلاء ـ لا يعتمد هذه القاعدة بمجرّد اشتمال أحد الطرفين على المفسدة وان ذلك يؤهّله للتقديم ـ بنظرهم ـ حتى مع تضاؤل مستوى المفسدة المشتمل عليها خصوصا لو كان المراد من المصلحة والمفسدة في القاعدة هو الاحتمال الاول والذي يفترض انّ المفسدة المقصودة هي المفسدة الشخصيّة ، فإنّ من الواضح انّ المتبنّيات العقلائيّة لا تراعي المفاسد والمصالح الشخصيّة إذا كانت منافية للمصلحة النوعية.
ولغرض التنبيه على ذلك نذكر هذه الأمثلة :
المثال الأوّل : لو دار الأمر بين الدخول في معركة عادلة مضمونة النجاح ويترتّب عليها فوائد كثيرة وبين عدم الدخول في هذه المعركة لأنّها تستلزم الوقوع في بعض المفاسد المحدودة كجرح بعض الجنود أو قتلهم ، فهل انّ العقلاء يبنون في مثل هذا الفرض على التحفّظ عن الوقوع في المفسدة رغم اشتمال ما يقابلها على