وأمّا مع عدم إحراز ذلك فلا موضوع للقاعدة حتّى يبني العقلاء على تقديم جانب المفسدة ، وواضح انّ احراز العقلاء لحجم المصلحة والمفسدة الشرعيّتين ممّا لا سبيل له ، فحتّى لو صرّح الشارع بحرمة هذا الشيء وبوجوب الآخر فإنّ من غير الممكن التعرّف على انّ المفسدة الكامنة في متعلّق الحرمة أشد من المصلحة الموجودة في متعلّق الوجوب أو انّها أضعف أو انّ المصلحة والمفسدة متساويتان في الأهميّة ، وعليه لا يكون دوران الأمر بين الوجوب والحرمة مصحّحا لبناء العقلاء على تقديم جانب الحرمة ، لاحتمال انّ متعلق الوجوب أكثر أهميّة من متعلّق الحرمة ، فلا يكون هذا الفرض موردا للقاعدة ، ومن هنا لا يمكن استكشاف الإمضاء من عدم الردع ، إذ انّ عدم الردع لا يهدّد أغراض الشريعة.
نعم لو صرّح الشارع بحجم المصلحة المفسدة واتّضح من ذلك تساويهما في الأهميّة لكان من الممكن امتداد البناء العقلائي على القاعدة لهذا المورد إلاّ انّه مع ندرته لا يكون عدم الردع كاشفا عن الامضاء ، وذلك لأنّه لو كان البناء الشرعي قائما على التخيير في هذه الحالة لكان بناء العقلاء على ترجيح جانب المفسدة غير مضرّ بأغراض الشريعة ، إذ لا فرق في نظر الشارع ـ بناء على التخيير ـ بين تقديم جانب المصلحة أو تقديم جانب المفسدة.
نعم لو كان البناء الشرعي هو تقديم جانب المصلحة بنحو اللزوم لكان عدم الردع مضرا بالغرض الشرعي إلاّ انّ ندرة فرض التصريح بمستوى المصلحة والمفسدة واتّفاق تساويهما في الأهميّة تمنع من استكشاف الإمضاء من عدم الردع ، لأنّ ذلك لا يستوجب تهديدا بينا لأغراض الشارع ، فمن الصعب الجزم بالإمضاء ، نعم هو محتمل إلاّ انّ ذلك لا ينفع ، لأنّ الشك في الحجيّة مساوق للقطع بعدمها ، هذا أولا.