الوضع وانّه عبارة عن اعتبار اللفظ دالا على المعنى فإنّ الدلالة الوضعيّة تصديقيّة أيضا ، وذلك لأنّ الاعتبار ليس جزافيا لافتراض انّ المعتبر حكيما ، وإذا كان كذلك فمن الواضح انّ الغرض من الوضع واعتبار اللفظ دالا على المعنى هو تفهيم المعنى ، أي انّ غرض الواضع جعل اللفظ وسيلة لتفهيم المعنى ، وحينئذ تتحدّد الدلالة بحدود الغرض من الوضع ، ولمّا كان الغرض هو إرادة تفهيم المعنى فإنّ الدلالة الوضعيّة لا تتّسع لأكثر من الغرض وإلاّ كان الاعتبار أوسع من الغرض ولا مبرّر عقلائي لذلك ، وحتى ننزّه الواضع عمّا ينافي الحكمة يلزم حمل اعتباره اللفظ دالا على المعنى على خصوص الحالة التي يكون فيها المتكلّم مريدا لتفهيم المعنى من اللفظ. وبهذا تكون الدلالة الوضعيّة مختصّة بحالة إرادة المتكلّم تفهيم المعنى من اللفظ ، وهذه هي الدلالة التصديقيّة التفهيميّة.
ومن هنا تكون الدلالة الوضعيّة دلالة تصديقيّة دائما سواء على مسلك التعهّد أو مسلك الاعتبار ، وما نشاهده من انخطار المعنى بمجرّد اطلاق اللفظ حتى من غير العاقل الملتفت لا يستند الى الدلالة الوضعيّة ، أي انّ ذلك التصوّر لم ينشأ عن الوضع وانّما هو ناشئ عن الانس الحاصل بين اللفظ والمعنى نتيجة كثرة استعمال اللفظ في هذا المعنى أو نتيجة منشأ آخر ، وعلى أيّ حال فإنّ هذا التصوّر ليس مستندا للوضع. هذا هو حاصل ما أفاده السيّد الخوئي رحمهالله في مقام إثبات دعوى انّ الدلالة الوضعيّة دلالة تصديقيّة.
وفي مقابل هذه الدعوى ذهب جمع من الأعلام الى انّ منشأ الدلالة على إرادة المتكلّم تفهيم المعنى من اللفظ انّما هو ظهور حاله في ذلك ، وهذا الاستظهار ناشئ عن امارة عقلائيّة وهي غلبة ان لا يستعمل المتكلّم الملتفت لفظا إلاّ أن يكون قاصدا تفهيم معناه ، فليس من دأب العاقل الملتفت أن يأتي بكلام لا يقصد منه سوى