كان لذلك الإدراك وجود.
ومثال هذا النحو من المدركات العقليّة هو ما يدركه العقل من حسن الطاعة وقبح المعصية ، فإنّ هذا الإدراك مترتّب على وجود أوامر للمولى ، فالعقل لا يحكم بحسن الطاعة وقبح المعصية لو لم تكن أوامر للمولى جلّ وعلا ، فلو قطع المكلّف بعدم وجود تكليف إلزامي تجاه فعل معيّن فإنّ العقل لا يدرك حينئذ حسن الطاعة وقبح المعصية تجاه هذا الفعل ، ولمزيد من التوضيح راجع « الأمر الإرشادي ».
وبذلك يتّضح انّ المدركات العقليّة الواقعة محلا للبحث الاصولي هي خصوص المدركات الواقعة في رتبة الكتاب والسنّة والتي يمكن ان يستنبط منها حكم شرعي أي انّها واقعة في رتبة علل الاحكام الشرعيّة.
الأمر الرابع : انّ المقصود من الدليل العقلي هو الأعم من الصغرى والكبرى الواقعتين في القياس المنتج لدليليّة الدليل العقلي.
فدليليّة الصغرى باعتبار وقوعها صغرى في قياس نتيجته دليلية الدليل العقلي ، وهكذا الكلام في الكبرى ، فكلّ منهما يساهم في نتيجة القياس والتي هي دليليّة الدليل العقلي أي حجيّة المدرك العقلي المعيّن.
وبتعبير آخر : انّ البحث الاصولي عن الدليل العقلي يقع في مقامين :
الاول : صغروي وهو البحث عن اثبات القضايا العقليّة أو قل المدركات العقليّة مثل حسن العدل وقبح الظلم وانّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه وهكذا ، فهل انّ العقل يدرك هذه القضايا حقا وهل انّ ادراكه لها ـ لو كان ـ قطعي؟
الثاني : كبروي وهو البحث عن حجيّة المدركات العقليّة ، بمعنى انّ القضايا التي ثبت في البحث الصغروي انّها مدركات عقليّة هل لها الدليليّة على الحكم الشرعي وهل هي صالحة للتنجيز والتعذير أولا؟ إذ من الواضح انّ إدراك العقل لقضيّة من القضايا لا ينهى البحث ولا يثبت الدليليّة لما