الأمارة تنشأ مصلحة في مؤداها أقوى من مصلحة الواقع فيقتضي ذلك تبدّل الحكم الواقعي الى حكم مطابق لمؤدى الأمارة ، فيكون ذلك من قبيل طرو العناوين الثانويّة المقتضية لتبدّل الحكم الاولي الى حكم يتناسب مع العنوان الثانوي الطارئ.
ومع انكشاف منافاة الأمارة للواقع تزول المصلحة عن مؤداها ويلزم التعبّد بما هو مقتضى الواقع إلاّ انّ تبدّل الحكم حينئذ يكون بسبب تبدّل الموضوع ، بمعنى انّه قبل انكشاف الواقع لا مصلحة في متعلّق الحكم الواقعي وانّ المصلحة متمحّضة في مؤدى الأمارة ، وأمّا بعد انكشاف منافاة الأمارة للواقع تنتفي المصلحة المتعلّقة بمؤدى الأمارة وتصبح المصلحة في متعلّق الواقع ، وهذا هو الذي يوجب تبدّل الحكم. وقد شرحنا هذه النظريّة بشيء من التفصيل تحت عنوان « التصويب المعتزلي ».
الاتّجاه الثالث : السببيّة بمعنى المصلحة السلوكيّة ـ بحسب تعبير المحقّق النائيني رحمهالله ـ وهي التي تبناها الشيخ الأنصاري رحمهالله ، وحاصل المراد منها انّ لله جلّ وعلا أحكاما واقعيّة تابعة لملاكات واقعيّة في متعلقاتها وانّ هذه الملاكات لا تنتفي بقيام الأمارات على خلاف الواقع ، غايته انّ قيام الأمارة يقتضي نشوء مصلحة في سلوك الأمارة والجري على وفقها ، هذه المصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقعة.
ولأنّ المصلحة في سلوك الأمارة ثبتت بواسطة مقدمتين الاولى هي أدلّة الحجيّة للأمارة ، والثانية هي قبح تفويت مصلحة الواقع ، إذ استفدنا من مجموعهما انّ الأمارة سبب في نشوء مصلحة في سلوكها والجري على وفق مؤداها فتكون هذه المصلحة جابرة للمصلحة الواقعيّة الفائتة ، فلأنّ المصلحة السلوكيّة نشأت عن ذلك تكون النتيجة هي اختصاص اشتمال السلوك على المصلحة بالمقدار الذي يفوته سلوك الأمارة من مصلحة الواقع.