وبتعبير آخر : المصلحة هي الكمال الشخصي الملائم للكمال النوعي والمفسدة ما كان عكس ذلك.
ولخروج هذا البحث عن محلّ الكلام نكتفي بهذا المقدار.
المعنى الرابع : انّ الحسن هو كلّ فعل يدرك العقل انبغاء فعله ، والقبيح هو ما يدرك العقل انبغاء تركه ، بمعنى انّ العقل يدرك استحقاق فاعل ما ينبغي فعله المدح واستحقاق فاعل ما ينبغي تركه الذم.
وواضح انّ الحسن والقبح بهذا المعنى يختص بالأفعال الاختياريّة ، كما انّ الحسن والقبح بهذا المعنى من مدركات العقل العملي وهو الذي وقع محلا للنزاع ، فالمعروف بين الاصوليين هو انّ الحسن والقبح من مدركات العقل العملي وانّهما من صفات بعض الأفعال الذاتيّة ، وذهب لذلك جمع من المعتزلة أيضا.
وفي مقابل هذه الدعوى ذهب جمع من الأشاعرة الى انّ صفتي الحسن والقبح ليستا من صفات الأفعال الذاتيّة ، فليس ثمّة فعل يقتضي بذاته الحسن أو القبح بل انّهما من الصفات التي تعرض الأفعال بواسطة الشارع ، فكلّ فعل حكم الشارع بحسنه فهو حسن لتحسين الشارع له لا لأنّه يقتضي الحسن بنفسه ، وكلّ فعل حكم الشارع بقبحه فهو قبيح لتقبيح الشارع له لا لأنّه يقتضي القبح بذاته.
وأمّا الأخباريّون فقد ذهبوا الى قصور العقل عن درك واقع الأفعال من حيث اتّصافها بالحسن والقبح ، فهم وان كانوا لا يمنعون عن انّ الأفعال قد تكون متّصفة ذاتا بالحسن والقبح في نفس الأمر والواقع إلاّ انّ إدراك ذلك بواسطة العقل غير ممكن لقصوره عن الإحاطة بواقع الأشياء. فالوسيلة التي يمكن بواسطتها التعرّف على واقع الأفعال من حيث اتّصافها بالحسن أو القبح هي الشارع ، فكلّ ما أخبر الشارع عن حسنه فهو حسن واقعا وكلّ ما أخبر الشارع عن قبحه فهو قبيح واقعا ، وبهذا يمتاز مبنى الإخباريين عن مبنى الأشاعرة.