القوى بحيث تبلغ معها حدّ التماميّة فإن الحسن بناء على هذا المعنى يكون صفة لكلّ ما أوجب اشتداد قوّة من القوى وسار بها نحو غايتها ، كما انّ القبح يكون بمعنى ما يوجب تسافل قوّة من القوى والمسير بها على عكس ما تقتضيه غايتها.
وباعتبار انّ القوى متفاوتة فيما بينها وقد يكون كمال بعضها على حساب كمال الاخرى يلزم ان يتّصف الفعل الواحد ـ بناء على هذا المعنى ـ بالكمال والنقص في آن واحد ولكن باعتبارين.
مثلا : التروّي والتأمل والتأني أفعال تسير بالقوّة العاقلة نحو غايتها وكمالها إلاّ انّها توجب ضمور القوّة الغضبيّة والسبعيّة وتسير بها على عكس ما يقتضيه كمالها ، فهذه الأفعال حسنة بلحاظ القوّة العاقلة وقبيحة بلحاظ القوة الغضبيّة.
وكيف كان فالحسن والقبح بناء على المعنى الثاني بصورتيه لا يختصّ بالأفعال الاختياريّة كما هو واضح.
المعنى الثالث : انّ الحسن بمعنى المصلحة والقبح بمعنى المفسدة أو انّ الحسن ما كان موجبا للمصلحة والقبيح ما كان موجبا للمفسدة.
وهذا المعنى يحتمل مجموعة من الاحتمالات :
منها : انّ المصلحة بمعنى الكمال الشخصي لكلّ قوّة من القوى والمفسدة هي النقص الشخصي أيضا.
ومنها : انّ المصلحة تعني الكمال النوعي وهو النظام الاجتماعي الأتم ، وعليه يكون كلّ فعل يسير بالمجتمع نحو النظام الأتمّ فهو حسن لأنّه موجب للمصلحة النوعيّة ، والمفسدة تعني اختلال النظام الاجتماعي وتبدّده ، فكلّ فعل ينحدر بالمجتمع نحو السقوط فهو قبيح ، بل كلّ فعل يمنع عن الصعود بالنظام الاجتماعي الى الكمال فهو قبيح.
ومنها : انّ المصلحة بمعنى ما يوجب الكمال الشخصي المتّصل بالنفس على ان لا يتنافى ذلك مع الكمال النوعي وان تنافى مع الكمال لسائر القوى ،