انسلاكه في اطار النظام الاجتماعي.
فالبناء على حسن العدل وقبح الظلم ليس كالتصديق باستحالة اجتماع النقيضين أو أنّ المعلول لا يتخلّف عن علّته التامّة ، فإنّ التصديق والبناء على هاتين القضيّتين ناشئ عن إدراك العقل ولا صلة للتصديق بهما بالتباني والتطابق العقلائي ، كما لا يرتبط التصديق بهما بما يترتّب عليهما من نتائج ، كما انّ الحكم فيهما لا يتغيّر بتغيّر الظروف ، وما ذلك إلاّ لأنّ وراء إدراكهما واقعا متقرّرا في نفس الأمر.
هذا هو حاصل مبنى مشهور الفلاسفة في الحسن والقبح ، وقد وقع الخلط في كلمات الشيخ المظفر رحمهالله من حيث انّه ادعى انّ الحسن والقبح من مدركات العقل العملي وفسّر ذلك بالقضايا المشهورة والآراء المحمودة ، وأصرّ على انّ الحسن والقبح من القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء وانّه ليس وراء تطابقهم واقع ، وهذا ما يعني انّها من المشهورات بالمعنى الأخص ولا صلة لها بمدركات العقل العملي ، إذ لا ريب انّ لمدركات العقل العملي واقعا متقررا في نفس الأمر ، ولا يرتبط بالبناء العقلائي الناشئ عن التأديبات الصلاحيّة أو غيرها.
فالصحيح انّ هنا مبنيين مختلفين اختلافا جوهريا ، المبنى الاول هو مبنى مشهور الاصوليّين القائل بأنّ الحسن والقبح من الصفات الواقعيّة الذاتيّة المدركة بواسطة العقل العملي ، والتي لا تخضع لاعتبار العقلاء كما انّها ليست ناشئة عن اعتبار الشارع المقدّس.
والمبنى الآخر هو انّ الحسن والقبح من القضايا المشهورة والآراء المحمودة المتبناة من قبل العقلاء وليس لها وراء تباني العقلاء واقع ، وهذا هو مبنى مشهور الفلاسفة وبعض الاصوليّين كالمحقّق الأصفهاني رحمهالله. ومن هنا يعبّر عن الحسن والقبح بحسب هذا المبنى بالحسن والقبح العقلائيّين ، ووصفهما بالعقليّين تسامح محض.
* * *