المشهورات بالمعنى الأخصّ على اختلاف مناشئها انّها ليست قضايا برهانيّة ناشئة عن مدركات العقل وليس لها واقع وراء التباني والتطابق ، فلو اتّفق ان انتفت تلك المناشئ لما كان للعقل إدراك تلك القضايا.
ومع اتّضاح المراد من القضايا المشهورة نقول : انّ مشهور فلاسفة المسلمين ادعوا انّ اتّصاف بعض الأفعال بالحسن والقبح ـ كاتّصاف العدل بالحسن والظلم بالقبح ـ انّما هو من القضايا المشهورة بالمعنى الأخص ، وعليه لا يكون وراء اشتهارها واقع ولا تكون من مدركات العقل العملي ، إلاّ انّهم قالوا انّ الحسن والقبح من القضايا الناشئة عن التأديبات الصلاحيّة والآراء المحمودة والتي تقتضيها المصلحة النوعيّة المرتبطة بحفظ النظام الاجتماعي.
وبتعبير آخر : انّ الحسن والقبح من القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء لا بما هم انفعاليّون مثلا ولا بما هم واقعون تحت تأثير العادات أو غير ذلك ، بل لأنّهم وجدوا انّ مجموعة من الأفعال تساهم في التحفّظ على النظام أو تصعد به الى مستوى الكمال الاجتماعي ، وانّ هنا مجموعة من الأفعال تنحدر بالمجتمع نحو السقوط وتؤدي الى اختلال نظامه ، فلأنّهم وجدوا ذلك بنوا على حسن الاولى وقبح الاخرى ، ويبقى اتّصاف هذه الأفعال بالحسن والقبح مطردا ما دامت لها هذه النتائج ، أمّا لو اتّفق انتفاء هذه النتائج عنها أو اتّفق تبدّلها الى الضد فإنّ اتّصافها بالحسن والقبح لا يبقى على حاله بل يكون اتّصاف الأفعال بهما تابع لما يترتّب على هذه الأفعال من نتائج.
وهكذا لو قدّر عدم وجود مجتمع فإنّه لا تباني حينئذ من العقلاء ، أو بتعبير آخر : انّ العقل لا يدرك اتّصاف الأفعال بالحسن والقبح لو لم يكن هناك وجود اجتماعي وانّ ادراك العاقل للحسن والقبح في ظرف الوجود الاجتماعي انّما هو باعتبار