جعل الحرمة على الخمر مثلا ، كما انّ الشارع جعله علامة على ثبوت حكم الحرمة لكلّ موضوع توفّر على خاصيّة الإسكار ، وذلك بواسطة الخطاب الصادر عنه والذي اشتمل على التصريح بأنّ علامة ثبوت الحرمة هو الإسكار.
فالإسكار في الوقت الذي هو مناط جعل الحرمة على الخمر هو علامة على ثبوت الحرمة لنظائر الخمر.
وأمّا مورد افتراق العلّة بالمعنى الثاني عن العلّة بالمعنى الأوّل فمثاله ما لو سأل أحد الامام عليهالسلام عن انّه نام حتى خرج الوقت فقال : « اقض الصلاة لأنّها فاتتك » فإنّ الفوت ليس هو مناط جعل القضاء على المكلّف بل انّ ملاك القضاء أمر آخر لم يصرّح به في الخطاب ، فالفوت علامة قد جعلها الشارع وسيلة للتعرّف على موارد وجوب القضاء.
وباتّضاح المراد من العلّة نقول : انّ العلّة بالمعنى الأوّل يعبّر عنها بشرائط الجعل وبمبادئ الحكم ويعبّر عنها أيضا بالملاك ، وهي المقصود من قولهم انّ الأحكام تابعة لعللها وملاكاتها وانّ هذه الملاكات كامنة في متعلّقات الأحكام.
ولا ريب في ثبوت الملازمة بين العلّة بهذا المعنى وبين الحكم المعلول لها كما أوضحنا ذلك تحت عنوان « علل الأحكام » ، انّما الكلام فيما هو السبيل لإحراز ثبوت العلّة.
فنقول : انّ الشارع قد يصرّح بعلة الحكم ومناط جعله وعندئذ يمكن الاستفادة من هذه العلّة لإحراز موارد ثبوت الحكم ، وهذا هو أحد موردي العلّة المنصوصة ، وقد لا يصرّح بذلك ، وعندئذ يكون من المتعذّر على المكلّف معرفة ملاكات الحكم بالمعنى المذكور ، إذ لا سبيل لاستقلال العقل بإدراك ملاكات الأحكام بعد عدم احاطته بأوجه المصالح والمفاسد ، نعم قد يدرك العقل اشتمال فعل على مصلحة إلاّ انّ ذلك وحده غير كاف للجزم بترتب الحكم المناسب للمصلحة المدركة على ذلك الفعل لاحتمال أن يكون للمصلحة المدركة ما يمنع عن تأثيرها أثرها ، وحصول