وقد تحدّثنا عن القاعدة ومراحل تطورها تحت عنوان « البراءة العقليّة ». وما يهمّنا في المقام هو بيان المراد من القاعدة وما هو منشأ الالتزام بها.
أمّا ما هو المراد من القاعدة فهو عبارة عن دعوى إدراك العقل لمحدوديّة حقّ الطاعة للمولى جلّ وعلا وانّها لا تتّسع لحالات عدم العلم بالتكليف ، ومنشأ إدراك العقل لذلك هو ما يدركه من قبح الإدانة والمؤاخذة على عدم امتثال العبد لتكليف غير معلوم ممّا يعبّر عن انّ حدود حقّ الطاعة للمولى تختصّ بموارد العلم بالتكليف.
فالبيان هو العلم ، والإدانة والمؤاخذة عند عدمه ممّا يستقل العقل بقبحه ، ومن هنا يكون المكلّف في سعة من جهة التكليف الواقعي غير المعلوم ، وهذا هو معنى البراءة العقليّة.
وقد ذكر الشيخ الأنصاري رحمهالله وكذلك بعض من سبقه كشريف العلماء رحمهالله وهكذا صاحب الحاشية على المعالم وغيرهم رحمهمالله ذكروا منبها على صحّة هذه الدعوى ، وحاصله :
انّ الرجوع الى ما عليه الأعراف العقلائيّة يؤكّد صحّة هذه الدعوى ، فإنّ الملاحظ من سيرتهم وما هو المركوز في جبلتهم فيما تقتضيه العلاقة بين الموالي والعبيد العرفيين هو عدم استحقاق الموالي للطاعة في موارد عدم علم العبد بأوامر أسيادهم ، فلو لم يمتثل العبد أوامر سيّده بسبب الجهل بها فإنّه ليس للسيّد مساءلته عن عدم الامتثال ، فلو سأله فاعتذر العبد عن عدم الامتثال بعدم العلم فأجابه السيّد بأنّه كان عليك الاحتياط لكان للعبد أن يقول لم أكن أعلم بايجابك الاحتياط ، وحينئذ تنقطع حجّة السيّد ، ممّا يعبّر عن عدم استحقاق السيّد للطاعة في حالات جهل العبد بالتكليف ، وحينئذ تكون معاقبته لعبده ممارسة بغير حقّ وهو الظلم القبيح ، هذا ما يدركه العقلاء ويعبّرون عنه بقبح العقاب بلا بيان.
ثمّ انّ المحقّق النائيني رحمهالله برهن على