الأمر الرابع : إنّ التعريفين الأوّل والثاني لم يتمّ التصدّي فيهما لبيان الوسيلة المعتمدة لتحديد المصلحة فهل هو العقل أو الذوق أو اعتبارات أخرى ، وإذا كان هو العقل فهل هو القطعي أو هو الأعمّ منه ومن الظنّيّ.
وأمّا التعريف الثالث فهو بناء على القول الأوّل يعتمد النصوص والقواعد العامّة وسيلة لتحديد المصلحة وإن كان قد أهمل بيان وسيلة الوصول إلى تلك القواعد والنصوص العامّة ، نعم لا يبعد أنّها عين الوسائل الاجتهاديّة المعتمدة عندهم والتي هي من قبيل قياس التمثيل والسبر والتقسيم وتنقيح المناط القطعيّ والظنّيّ وتحقيق المناط وتخريج المناط وسدّ الذرائع وفتحها.
وأمّا القول الثاني من التعريف الثالث فاعتمد العقل وسيلة لاكتشاف المصلحة المقتضية للإفتاء والظاهر أنّه الأعم من القطعي والظنّيّ.
وخلاصة ما يمكن أن يلاحظ على اعتماد الاستصلاح وسيلة للإفتاء هي ما يلي :
أوّلا : إنّ الاستصلاح بناء على التعريف الأوّل ينتهي في بعض الحالات إلى الاجتهاد في مقابل النصّ ، وذلك لأنّه يصحّح الإفتاء وفق المصلحة المرسلة بمجرّد عدم وجود النصّ الخاصّ ، وهذا يعني أنّ المجتهد لو اعتمد هذا التعريف ساغ له إهمال النصوص العامّة والإفتاء وفق المصلحة المنظورة عنده. وهو من الاجتهاد في مقابل النصّ ، لأنّ المقصود من النصّ المانع عن الإفتاء في مقابله هو الأعمّ من النصّ الخاصّ والعامّ.
ثانيا : إنّ الاستصلاح بناء على التعريف الأوّل أهمل بيان الوسيلة المعتمدة للوصول لتحديد المصلحة وليس من وسيلة يمكن اعتمادها بعد عدم وجود النصّ الخاصّ وإهمال النصّ العامّ سوى الاستحسان والذوق أو العقل.
أمّا الاستحسان والعقل الظنّيّ فهما ساقطان عن الحجيّة كما ثبت ذلك في محلّه.