يحول العقل صور الأعيان الخارجيّة المتلقّاة عن الخارج الى مفاهيم ماهويّة كليّة ، أي بعد أن تصبح معقولات أوليّة.
ومن هنا قال الحكماء انّ المعقولات الثانية المنطقيّة هي ما يكون معها ظرف عروض المحمول على الموضوع هو الذهن كما انّ اتّصاف الموضوع بها لا يكون إلاّ في الذهن ، فهذا هو ما يكشف عن انّ المحمول معقول ثان منطقي.
القسم الثاني : المعقولات الثانية الفلسفيّة ، وهي عبارة عن المفاهيم الفلسفيّة مثل العلّة والمعلول والعلّيّة والإمكان والامتناع والوجوب وهكذا ، وهذه المعقولات تختلف عن المعقولات الأوليّة ، لأنّ تحصيلها لا يتمّ بواسطة ما تعكسه الحواس الى الذهن ، كما انّها ليست من المعقولات الثانية المنطقيّة ، لأنّ المعقولات المنطقيّة لا يمكن أن يكون لها مصداق في الخارج ، فليس ثمّة شيء في الخارج يتّصف بها ، وأمّا المعقولات الثانية الفلسفيّة فيمكن أن تتّصف بها الأعيان الخارجيّة ، فيقال : هذه النار علّة وهذه الحرارة معلول كما يقال : بين هذه النار وهذه الحرارة علّيّة ومعلوليّة ، ويقال : انّ زيدا ممكن الوجود وانّ الله جلّ وعلا واجب الوجود ، وواضح انّ اتّصاف النار بالعلّة والحرارة بالمعلول انّما هو الخارج وأمّا مفهوم النار فليس علّة لوجود الحرارة.
وبهذا يتّضح انّ المعقولات الفلسفيّة توجد في الخارج إلاّ انّ إدراكها لا يتمّ بواسطة الحسّ لا الظاهري ولا الباطني ، كما انّ وجودها ليس من سنخ الماهيّات الموجودة في الخارج بل انّ وجودها في الخارج يعني انّها صفات للأعيان الخارجيّة وانّ اتّصاف الأعيان الخارجيّة بها يكون في ظرف الخارج ، فليس لها وجود في مقابل الأعيان الخارجيّة يمكن أن يشار إليه باستقلاله كما يشار الى الشجر والحجر ، فالعليّة والمعلوليّة وهكذا الإمكان والوجوب صفات