ثمّ انّ هنا أمرا لا بدّ من التنبيه عليه ذكره المحقّق صاحب الكفاية رحمهالله وهو انّ استفادة العموم الاستغراقي من وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي منوط بتماميّة الإطلاق ومقدّمات الحكمة في الطبيعة المنفيّة أو المنهي عنها ، وذلك لأنّ القرينة العقليّة المذكورة لا يستفاد منها أكثر من انّ الطبيعة لا تنعدم إلاّ بانعدام تمام أفرادها ، وأمّا انّ مدخول النفي أو النهي هل هو الطبيعة المطلقة أو المقيّدة فهذا ما لا تتصدّى القرينة العقليّة لإثباته ، فلا بدّ لإثبات الإطلاق من تماميّة مقدّمات الحكمة وانّ الطبيعة المنفيّة هي الطبيعة المطلقة.
وبتعبير آخر : انّ النفي أو النهي انّما يقتضيان النفي أو النهي عمّا يراد من مدخولهما ، أمّا ما هو المراد من مدخول النفي أو النهي وهل هو الطبيعة المطلقة أو المقيّدة فهذا ما يقتضي ملاحظة ما هو حدود المراد من الطبيعة فإن ثبت انّ مدخول النفي أو النهي هو الطبيعة المطلقة فهذا معناه انّ المنفي هو تمام أفراد الطبيعة وانّ المنهي عنه هو تمام أفراد الطبيعة ، وأمّا لو ثبت انّ المنفي أو المنهي عنه هو الطبيعة المقيّدة فهذا معناه انّ المنفي هو تمام أفراد الطبيعة المقيّدة دون الطبيعة المطلقة وهكذا الكلام في المنهي عنه.
فوقوع النكرة في سياق النفي أو النهي مفاده عموم ما يراد من مدخولها والذي يحدّد ما هو المراد من مدخولها انّما هو القرينة الخارجيّة ، فإن كانت هي مقدّمات الحكمة كانت النكرة المنفيّة مفيدة لانتفاء تمام أفراد الطبيعة أو مفيدة للنهي عن تمام أفراد الطبيعة ، وان كانت القرينة معبّرة عن إرادة الطبيعة المقيّدة فإنّ المنفي والمنهي عنه وإن كان هو العموم إلاّ انّه عموم الطبيعة المقيّدة ، فحينما يقال : « لا رجل عالما في الدار » أو « لا تهن فقيرا عادلا » فإنّ معنى القضيّة الاولى هو انتفاء طبيعة الرجل العالم ، لا انّ المنفي هو طبيعة الرجل ، وهكذا الكلام في القضيّة الثانية.
* * *