ثمّ قال في كلام آخر « الطواف بالبيت صلاة » فإنّ هذا اللسان يعبّر عن النظر بنفس التقريب السابق ، والنظر هنا في عقد الوضع كما في المثال السابق ، أي انّ تصرّف الدليل الحاكم انّما هو في موضوع الدليل المحكوم إلاّ انّه بنحو التوسيع من دائرة موضوع الحكم في الدليل المحكوم ، فموضوع الحكم في الدليل المحكوم هو الصلاة والحكم المترتّب على هذا الموضوع هو شرطيّة الطهارة ، والدليل الحاكم جاء ليشرح المراد من الصلاة في الدليل المحكوم ويثبت انّ الطواف فرد من أفراد الصلاة ، وبذلك يترتّب الحكم المجعول ـ على الصلاة في الدليل المحكوم ـ على الطواف ، وذلك لأنّه ـ بمقتضى الدليل الحاكم ـ فرد من أفراد الصلاة ، وبهذا يتوسّع موضوع الحكم في الدليل الاوّل المحكوم وتصبح الطهارة شرطا للطواف كما هي شرط للصلاة. فهو إثبات لشرطيّة الطهارة ولكن عن طريق اعتبار الطواف فردا للصلاة ، وهذا هو معنى قولهم « إثبات الحكم بلسان إثبات الموضوع ».
الاسلوب الثاني : ويعبّر عنه بالنظر في عقد الحمل ، وهنا يتوسّل المتكلّم في مقام شرحه لكلامه الاول بالتصرّف في محمول القضيّة في الكلام الاوّل ، أي في التصرّف في نفس الحكم ابتداء دون توسيط الموضوع في ذلك كما في الاسلوب الاول.
ومثال ذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « لا ضرر ولا ضرار » وقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، ) فإنّ هذين الدليلين ناظران الى الأحكام الشرعيّة الثابتة في الادلّة الاخرى ، حيث انّ مقتضى تلك الأدلّة هو ثبوت تلك الاحكام بنحو مطلق سواء كانت ضرريّة وحرجيّة أو لم تكن.
وحينئذ لو فهمنا من الرواية انّه لم يجعل الله تعالى حكما ضرريا وفهمنا من الآية المباركة انّ الله تعالى لم يجعل حكما حرجيا فإنّ الدليلين يكونان حاكمين على أدلّة الأحكام الشرعيّة الاوليّة وموجبين لتضييق دائرة تلك الاحكام.