وهكذا يكون الخبر حدسيّا لو اعتمد المخبر طريق الاجتهاد في تحصيله حتّى وإن كان المضمون قابلا للإدراك الحسّي.
ومثال ذلك إخبار المسجون بدخول الشهر القمري فإنّ هذا المضمون وإن كان قابلا للإدراك الحسّي إلاّ أنّه لا بدّ من البناء على حدسيّته لإحراز أنّ المخبر قد حصّله بواسطة الحدس.
القسم الثالث : ويعبّر عنه بالخبر الحدسي القريب من الحسّ ، وهو الذي يكون مضمونه غير قابل للإدراك الحسّي إلاّ أنّ لوازمه وآثاره حسّيّة ، وبذلك يكون قريبا من الحسّ نظرا لعدم احتياج إدراكه لأكثر من ملاحظة الآثار واللوازم الحسّيّة ، وعندها يستنتج الذهن دون عناية زائدة وجود الملزوم والذي هو مضمون الخبر.
مثلا : الإخبار عن شجاعة زيد إخبار عن مضمون حدسي لأنّ الشجاعة أمر نفساني غير قابل للإدراك الحسّي إلاّ أنّ للشجاعة آثارا ولوازم حسّيّة ينتج عن ملاحظة صدورها من أحد إحراز اشتماله على ملكة الشجاعة. فعند ما نشاهد أحدا يقتحم ميادين الحروب دون اكتراث ويصارع أبطالها وفرسانها دون أن يتراجع أو يتلكّأ ، ويصدر ذلك منه مرارا وتكرارا فإنّ مثل هذه المشاهد تعبّر عن رباطة جأشه وشجاعة قلبه.
فالشجاعة وإن كانت غير قابلة للإدراك الحسّي نظرا لكونها من الملكات النفسانيّة إلاّ أنّها قريبة من المدركات الحسيّة باعتبار أنّ إدراكها ينتج عن الملاحظة الحسّيّة لآثارها.
وباتّضاح أقسام الخبر نتمكّن من توضيح موضوع الحجّيّة لخبر الثقة وأنّه يتمحّض في الخبر الحسّي ، وكذلك الخبر الحدسي القريب من الحسّ ، وأمّا الخبر الحدسي فلا تشمله أدلّة الحجّيّة لخبر الثقة ، وذلك لأنّ عمدة ما يستدلّ به على حجّيّة الخبر هو السيرة العقلائيّة والقدر المحرز من سيرتهم هو ذلك.