بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ » (١) فقال بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ولكنها مخففة
______________________________________________________
لهذا الوجه ما روى سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل ، فقيل له في ذلك فقال : والله إني لأعلم أنه صادق ، ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدي : التقى أخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام ، فقال له : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا ، فقال أبو جهل : ويحك والله إن محمدا لصادق ، وما كذب قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة فما ذا يكون لسائر قريش.
وثانيها : أن المعنى لا يكذبونك بحجة ، ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان ، ويدل عليه ما روي عن علي عليهالسلام أنه كان يقرأ لا يكذبونك ، ويقول : إن المراد بها أنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك.
وثالثها : أن المراد لا يصادفونك كاذبا ، تقول العرب قاتلناكم فما أجبناكم أي ما أصبناكم جبناء ، ولا يختص هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف دون التشديد ، لأن أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع ، وأفعلت هو الأصل فيه ثم يشدد ، تأكيدا مثل أكرمت وكرمت ، وأعظمت وعظمت ، إلا أن التخفيف أشبه بهذا الوجه.
ورابعها : أن المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به ، لأنك كنت عندهم أمينا صدوقا ، وإنما يدفعون ما أتيت به ، ويقصدون التكذيب بآيات الله ، ويقوى هذا الوجه قوله : « وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ » وقوله : « وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ » ولم يقل وكذبك قومك وما روي أن أبا جهل قال للنبي صلىاللهعليهوآله ما نتهمك ولا نكذبك ولكنا نتهم الذي جئت به ونكذبه.
وخامسها : أن المراد أنهم لا يكذبونك بل يكذبونني ، فإن تكذيبك
__________________
(١) الأنعام : ٣٤.