عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ » (١) قال فقلت له إنهم يفسرون على وجه آخر فقال أوليس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات حيث قال : « وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ
______________________________________________________
قوله : « إنهم يفسرون على وجه آخر » أي يقولون : إن هذا كلام على وجه الاستفهام ولا يدل على وقوع ذلك ، وكان غرضه عليهالسلام أنه تعالى عرض للقوم بما صدر عنهم بعده صلىاللهعليهوآله بهذا الكلام ، وهذا لا ينافي الاستفهام ، بل ذكر التهديد والعقوبة ، وبيان أن ارتدادهم لا يضره تعالى ظاهر في أنه تعالى إنما وبخهم بما علم صدوره منهم ، ولما غفل السائل عن هذه الوجوه ولم يكن نصا في الاحتجاج على الخصم أعرض عليهالسلام عن ذلك ، واستدل بآية أخرى وهي قوله تعالى : « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ » الآية.
ويمكن الاستدلال بها من وجوه :
الأول : إن ضمير الجمع في قوله تعالى : « مِنْ بَعْدِهِمْ » راجع إلى الرسل ، فيدل بعمومه على أن جميع الرسل يقع الاختلاف بعدهم ، فيكون فيهم كافر ومؤمن ونبينا صلىاللهعليهوآله منهم فيلزم صدور ذلك من أمته.
والثاني : أن الآية تدل على وقوع الاختلاف والارتداد بعد عيسى ، وكثير من الأنبياء في أممهم ، وقد قال تعالى : « وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً » (٢) وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « يكون في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل » فيلزم صدور ذلك من هذه الأمة أيضا.
والثالث : أن يكون الغرض دفع الاستبعاد الذي بنى القائل كلامه عليه ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٤٤.
(٢) سورة الأحزاب : ٦٢.