المحاذاة بمجرّد أن نرى الصفّ أطول من الكعبة!؟ بل لنا أن نقول : على تقدير كون الصفّ المفروض من بعيد مستويا حقيقة أيضا أمكن أن يكون جميع أهل الصفّ محاذيا لعين الكعبة حقيقة ، فإنّا إذا فرضنا صفّا طويلا قريبا من الكعبة وكان بعض أهل الصفّ خارجا عن محاذاة الكعبة فرجعوا قهقرى بخطوط متوازية عدّة فراسخ مثلا ، فمن كان خارجا عن محاذاة الكعبة حال كونه قريبا وإن كان باقيا بحاله بنظر العقل على تقدير حفظ النسبة وفرض الخطوط متوازية لكن لو بدا لهذا الشخص أن يحاذي عين الكعبة حقيقة ويستقبلها بوجهه استقبالا حقيقيّا ، لا يحتاج في ذلك إلى انحراف محسوس ، بل لو انحرف انحرافا محسوسا أقلّ ما يمكنه ، لوقعت الكعبة إلى جانبه الآخر.
والحاصل : أنّه متى بلغ البعد إلى حدّ لا يمتاز استقبال الكعبة عن استقبال ما حوله بحيث يتوقّف أحدهما على حركة مغايرة للحركة التي يحصل بها الآخر فهو في هذه الحركة الشخصيّة مستقبل لهما ، فأهل الصفّ الطويل بأسرهم حقيقة متوجّهون إلى الكعبة.
والظاهر أنّ هذا هو المراد بقولهم في ردّ الشيخ : إنّ الشيء كلّما ازداد بعدا ازدادت محاذاته سعة ، لا المعنى الأوّل ، كما تقدّمت (١) حكايته عن بعض ؛ إذ الظاهر أنّ غرضهم التوسعة في جانب المستقبل لا القبلة.
وبهذا ظهر لك إمكان الالتزام بكون المحاذاة بين المستقبل وبين الجهة التي التزمنا باتّساعها للبعيد على التفسير الأوّل حقيقيّة ؛ فإنّ هذا إنّما يصدق عرفا
__________________
(١) في ص ٢٣.