وعن بعض المدقّقين التفصّي عن نقض الشيخ ـ بعد توجيه كلامه بما تقدّمت الإشارة إليه من إرادة المخالفة القطعيّة للمأموم لدى الفصل بينه وبين الإمام بأزيد من طول الكعبة ـ بأنّ كرويّة الأرض مانعة عن القطع بالمخالفة ، فإنّها مانعة عن خروج خطوط متوازية عن موقف المصلّين ، فمن الجائز تلاقيها عند الكعبة (١).
وفيه نظر ؛ فإنّ كرويّة الأرض في حدّ ذاتها غير مقتضية لخروج الخطوط عن التوازي ، وإنّما المقتضي له كون أهل الصفّ ـ كأجزاء الأرض بالطبع ـ مائلا إلى المركز ، وهذا وإن اقتضى خروج الخطوط عن التوازي لكن ملتقاها عند القطب الذي يفرض الصفّ المستطيل منطقتها ، وأنّى هذا من الكعبة؟ اللهمّ إلّا أن يفرض الصفّ في دائرة عظيمة تكون الكعبة قطبها ، وليس فرض الشيخ مقصورا عليه.
فالأولى أن يجاب عن النقض بأنّ فرض استواء الصفّ المستطيل مجرّد فرض لا يكاد يدرك بالحسّ ، فمن الجائز كون بعض أهل الصفّ مائلا إلى جانب الآخر بمقدار تتلاقى الخطوط الخارجة من مقاديمها عند الكعبة ، أو يكون موقفهم على قطعة قوس من دائرة محيطة بالكعبة ، وحيث إنّ الدائرة المفروضة من البعيد عظيمة لا يكاد يدرك تحدّب قوسها بالحواسّ الظاهرة ؛ إذ لو فرض صفّ في العراق بمقدار فرسخين وكان في الواقع على الدائرة المحيطة بالكعبة ، لا يكون انحناؤه في طول الفرسخين أزيد من شبر أو شبرين ، فكيف يمكننا الجزم بعدم
__________________
(١) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة ١ : ١٣٤ عن الخوانساري في حاشية الروضة : ١٧٣.