فرسخ مثلا ، لرأيت مجموع الصفّ بجملته بين يديك بحيث لا تميّز من يحاذيك حقيقة عن الآخر مع أنّ المحاذاة الحقيقيّة لا تكون إلّا بينك وبين ما كانت أوّلا.
وإن أردت مثالا أوضح ، فانظر إلى عين الشمس أو الكواكب التي تراها قبال وجهك ، فإنّ جرم الشمس وكذا الكواكب وما بينها من الفاصل أعظم من مساحة الأرض أضعافا مضاعفة ومع ذلك ترى مجموعها بين يديك حيال وجهك ، فلو فرض أنّ الله تعالى جعل قبلتك الشمس أو كوكبا من تلك الكواكب ، فهل ترى مائزا بين وقوفك مقابل هذا الطرف من الشمس أو الطرف الآخر ، أو بين هذا الكوكب والكوكب الآخر القريب منه مع أنّ البعد بينهما أزيد من مساحة الأرض ، ولا يعقل أن يحاذيك حقيقة إلّا جزء منها بمقدار جثّتك؟ وبهذا فسّر غير واحد ما شاع في ألسنتهم من أنّ الشيء كلّما ازداد بعدا ازدادت جهة محاذاته سعة.
وبه يندفع ما أورده الشيخ رحمهالله على القائلين بأنّ القبلة هي الكعبة من لزوم خروج صلاة أكثر من صلّى في صفّ طويل عن القبلة (١) ؛ لما أشرنا إليه فيما سبق من أنّ هذا بالنسبة إلى القريب مسلّم ، وأمّا إذا كان الصفّ بعيدا ، فيرى كلّ من أهل الصفّ القبلة حيال وجهه ، فيكون مستقبلا حقيقة وإن لم تكن القبلة محاذية للخطّ القائم على الخطّ الخارج من طرفي المستقبل على سبيل التدقيق ، فإنّ هذا ليس شرطا في صدق الاستقبال بنظر العرف ، كما أوضحناه في ضمن الأمثلة المتقدّمة.
__________________
(١) راجع : الهامش (١) من ص ١٧.