لكنّك سمعت (١) أنّه حكي عن بعضهم نقل الإجماع على عدم الجواز ، فعلى هذا يكون النزاع قليل الجدوى ، خصوصا لو أوجبوا التحرّي إلى جهة الكعبة مهما أمكن ، ومنعوا من المخالفة القطعيّة لدى التعذّر من تحصيل العلم بجهتها ، فيعود النزاع حينئذ لفظيّا.
وكيف كان فنقول : لا شبهة بل لا خلاف ظاهرا في أنّه يجب عند مشاهدة الكعبة أو العلم بجهتها الخاصّة المحاذية لها من استقبالها حقيقة بنظر العرف بأن تكون الكعبة بعينها أو جهتها الخاصّة بين يديه.
وما عن بعض ـ من جواز الانحراف عمدا لدى العلم بجهتها الخاصّة ما لم يخرج عن المشرق والمغرب أو في الجملة (٢) ـ ممّا لم نتحقّقه وإن كان ذلك مقتضى إطلاق بعض كلماتهم الآتية في تشخيص الجهة ، لكن لا يظنّ بأحد إرادته لدى العلم التفصيلي بجهتها الخاصّة ، وعلى تقدير تحقّق الخلاف فهو ضعيف من غير فرق بين القريب والبعيد ، ولكن لا يعتبر في صدق الاستقبال عرفا المحاذاة الحقيقيّة بحيث لو خرج خطّ مستقيم من مقاديم المستقبل قائم على خطّ خارج من يمينه وشماله لوقع على الكعبة ، بل أعمّ من ذلك ، فإنّ صدق الاستقبال ممّا يختلف بالنسبة الى القريب والبعيد ، فإنّك إذا استقبلت صفّا طويلا بوجهك وكنت قريبا منهم جدّا ، لا تكون قبلتك من أهل الصفّ إلّا واحدا منهم بحيال وجهك ، ولكنّك إذا رجعت قهقرى بخطّ مستقيم إلى أن بعدت عنهم مقدار
__________________
(١) في ص ٢٠.
(٢) راجع الهامش (٣) من ص ٣٠.