المفضّل ـ نصّ في أعمّيّة القبلة للبعيد من نفس الكعبة.
فالقول بالتفصيل أظهر بالنظر إلى ما يقتضيه الجمع بين الأخبار.
ولكن قد يشكل ذلك بعدم التزام العاملين بهذه الروايات بظاهرها من الإطلاق ؛ فإنّه قد استفيض نقل الإجماع حتّى من أصحاب القول بالتفصيل على وجوب استقبال العين مع التمكّن من مشاهدتها ، بل عن بعضهم التصريح بكون الكعبة قبلة لمن تمكّن من العلم بها وادّعاء الإجماع عليه (١) ، فكأنّهم فهموا من مجموع الأخبار أنّ الكعبة هي القبلة أصالة ، وأنّ التعميم توسعة من باب الضرورة ، وحيث إنّ هذه الأخبار بظاهرها غير معمول بها يشكل الاعتماد على مأوّلها وجعلها قرينة لارتكاب التأويل في الأخبار الدالّة بظاهرها على أنّ الكعبة هي القبلة مع قبول هذه الروايات أيضا للتأويل.
فالقول بأنّ القبلة هي الكعبة مطلقا إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.
ولكن لا يترتّب على الخلاف ثمرة عمليّة للبعيد الذي تكليفه الرجوع إلى الأمارات المشخّصة للجهة ، ولا يتميّز بواسطة بعده ـ على تقدير مشاهدته للعين ـ استقباله للكعبة عن استقباله للحرم حيث يقع المجموع بجملته بين يديه ، وأمّا بالنسبة إلى القريب الذي يتفاوت حسّا محاذاته للكعبة أو لطرف من المسجد أو الحرم بحيث يصحّ عرفا عند استقباله لطرف من المسجد سلب استقباله عن الكعبة ، فلو لا التزام القائلين بالتفصيل بعدم جواز العدول عن جهة الكعبة لدى التمكّن من العلم بها ، لكان فيه فائدة عظيمة.
__________________
(١) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٧٤ عن الشيخ نجيب الدين في الشرح.