والأشبه بالقواعد حمل هذه الأخبار الأخيرة بأسرها على التقيّة ، أو ردّ علمها إلى أهله ؛ لمخالفتها للمشهور ، وموافقتها للجمهور ، وفي جملة من الأخبار الإشارة إلى أنّ المورد من الموارد التي يشتدّ فيها التقيّة ، وقد تقدّم مرارا التنبيه على أنّه لو لا أنّ الأمر كذلك لكان المتّجه الجمع بين الأخبار بحمل أخبار المنع على الكراهة ، وتنزيل ما في الأخبار من الاختلاف على اختلاف مراتب الكراهة.
وربما يصلح شاهدة لهذا الجمع جملة من الأخبار المتقدّمة (١) التي وقع فيها التعبير بـ «ما أحبّ أن أصلّي فيها» أو «لا خير في ذلك كلّه» أو «إنّه مكروه» أو غير ذلك من العبائر المشعرة أو الظاهرة في الكراهة ، ولكن ثبّطنا (٢) عن ذلك ما عرفت.
والعجب من صاحب المدارك أنّه لم يذكر من أخبار المنع في هذا المقام إلّا صحيحة عليّ بن مهزيار ، الواردة في وبر الأرانب ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، التي لا يستفاد منها أزيد من رجحان الترك ، ثمّ قال : وبإزاء هاتين الروايتين أخبار كثيرة دالّة على الجواز. ثمّ ذكر صحيحة الحلبي وصحيحة علي بن يقطين وصحيحة جميل ، المتقدّمات (٣).
ثمّ قال : قال المصنّف رحمهالله في المعتبر : واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب المنع ممّا عدا السنجاب ووبر الخزّ ، والعمل به احتياط في الدين ، ثمّ قال ـ أي المصنّف ـ بعد أن أورد روايتي الحلبي وعليّ بن يقطين : وطريق هذين الخبرين
__________________
(١) في ص ٢٠٢ و ٢٨٦ و ٢٨٧ و ٢٨٩.
(٢) ثبّطه عن الشيء : إذا شغله عنه. لسان العرب ٧ : ٢٦٧ «ثبط».
(٣) في ص ٢١٠ و ٢٩٠.