الأصحاب في بعض مواردها ـ كما في المقام وفي أجزاء ما لا يؤكل لحمه ـ لأجل ابتلائها بالمعارض ، فهذا لا يوهن الرواية خصوصا بعد الالتفات إلى أنّها هي عمدة مستند التفصيل المعروف بين الأصحاب قديما وحديثا في جميع هذه المسائل ، فلا إشكال فيها من هذه الجهة.
ولكن قد يعارضها صحيحتا محمّد بن عبد الجبّار ، المتقدّمتان (١) ، وهما وإن كانتا أعمّ مطلقا من هذه الرواية ولكن لابتنائهما على السبب الخاصّ ـ وهو التكّة والقلنسوة ـ كالنصّ في إرادتهما ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، فتتحقّق المعارضة بينهما وبين هذه الرواية ، والترجيح لهما من حيث السند والبعد عن التقيّة ؛ لصراحتهما في نفي الصحّة المخالفة للعامّة. وأمّا رواية الحلبي : فيحتمل صدورها تقيّة ؛ فإنّ ما تضمّنته من صحّة الصلاة في الأمور المزبورة ينطبق على مذهبهم ، ودلالتها على نفي الصحّة في غيرها إنّما هي بالمفهوم الضعيف.
هذا غاية ما يمكن أن يقال بل قيل (٢) في تشييد هذا القول وترجيح مستنده.
ولكن يتوجّه عليه :
أوّلا : أنّ الصحيحتين أيضا كسائر العمومات قابلتان للتخصيص ، غاية الأمر أنّه يلزم منه تخصيص المورد ، ولا محذور فيه بعد قيام احتمال عدم إرادة بيان حكم خصوص المورد لبعض دواعي الاختلاف من تقيّة ونحوها خصوصا مع مشاركته لسائر الموارد في جنس التكليف ، وهو مرجوحيّة الفعل ، بل قابلتان للتأويل أيضا بحمل نفي الحلّ على إرادة نفي الإباحة الغير المنافية لإرادة الكراهة
__________________
(١) في ص ٣٠٣ و ٣٠٤.
(٢) القائل هو الطباطبائي في رياض المسائل ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨.