كان يتوشّح بثوبه ، أي يتغشّى به ، والأصل فيه من الوشاح (١) ؛ إذ لم يعلم أنّه أراد بذلك ما ينافي التفسير المتقدّم ؛ فإنّ عبارته لا تخلو عن إجمال خصوصا ما نبّه عليه من أنّه مأخوذ من الوشاح ، فلا يبعد أن يكون مراده بالتغشّي النوع الخاصّ منه الحاصل بالكيفيّة المزبورة ، فيكون قوله تفسيرا بالأعمّ ، كقولهم : «سعدانة نبت» أو أنّه أراد بذلك تفسيره في خصوص مورد.
ولقد أومأ إلى ذلك كلّه في مجمع البحرين حيث قال : في الحديث : التوشّح في القميص من التجبّر ، وفيه : الارتداء فوق التوشّح في الصلاة مكروه ، وفيه : أنّه كان يتوشّح بثوبه ، أي يتغشّى به. والأصل في ذلك كلّه من الوشاح ـ ككتاب ـ وهو شيء ينسج من أديم عرضا ويرصّع بالجواهر ، ويوضع شبه قلادة تلبسه النساء ، يقال : وشح الرجل بثوبه أو بإزاره ، وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ، وكما يتوشّح الرجل بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى وتكون اليمنى مكشوفة (٢). انتهى ؛ إذ الظاهر أنّ قوله : «يقال : وشح الرجل» إلى آخره ، بيان لما أجمله أوّلا.
وعن النووي في شرح صحيح مسلم : أنّ التوشّح أن يأخذ طرف ثوب ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ، ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثمّ يعقدهما على صدره ، والمخالفة (٣) بين طرفيه والاشتمال
__________________
(١) النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ١٨٧ «وشح» وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢٣.
(٢) مجمع البحرين ٢ : ٤٢٣.
(٣) في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «بالمخالفة» بدل «والمخالفة». والصحيح ما أثبت.