انخفاضه كي يكون على دائرة نصف النهار ، مع أنّ الاختلاف الناشئ من اختلاف أحوال الجدي يسير.
أقول : ولكنّك خبير بأنّ غفلتهم عن هذا الاختلاف الفاحش أبعد ، فالظاهر أنّ جمعهم بين العلائم الثلاث ليس منشؤه إلّا بناؤهم على كفاية استقبال الجهة ، وعدم كون هذا المقدار من الاختلاف قادحا في تحقّق الاستقبال المعتبر في الصلاة ونحوها ، فكأنّهم ذكروا العلائم الثلاث لأن يتمكّن المكلّف في جميع أوقات الصلوات لدى الحاجة إلى معرفة القبلة من تشخيص جهتها ، فإذا أراد تشخيصها لصلاة الصبح ، يجعل المشرق ـ الذي يميّزه ببياضه أو حمرته ـ على يساره ، والمغرب على يمينه. ولعلّ عدول المصنّف رحمهالله عن التعبير بالمشرق إلى الفجر للإيماء إلى ذلك. وإذا أراد تشخيصها للظهرين ، فبالعلامة الأخيرة ، ومتى أراد تشخيصها للعشاءين أو لصلاة الليل ، فبالثانية.
وحيث إنّ الجدي كوكب محسوس ، ووضعه محاذيا لخلف المنكب ـ الذي فيه مظنّة الأقربيّة إلى مقابلة العين ـ أمر ميسور فلا ينبغي العدول عنه ، فلذا اعتبروا فيه كونه كذلك ، لا أنّه لا يجزئ إلّا ذلك.
وأمّا العلامتان الأخريان فتشخيص موضوعهما لدى الحاجة إليهما لا يكون غالبا إلّا على سبيل الحدس والتقريب ، فلا يتميّز بهما غالبا إلّا مطلق الجهة التي لا يعتبر لغير المتمكّن من مشاهدة العين حقيقة أو حكما إلّا مقابلتها ، فلم يعتبروا فيهما هذا النحو من التدقيقات كبعض العلائم الأخر التي سنشير إليها.