ولكنّك عرفت أنّه لا بدّ من ارتكاب التأويل فيهما بالحمل على ما إذا لم يمكن تشخيصها في سمت أقرب من ذلك.
وأمّا الأخبار الواردة في الجدي : فما عدا الأوّلين (١) منها مسوق في مقام الإرشاد والتنبيه على أنّ الجدي كوكب لا يزول ، أي ثابت في موضعه الخاصّ ، ولا يتغيّر مكانه تغيّرا فاحشا ، فبه يهتدي كلّ من يقصد التوجّه إلى سمت في برّ أو بحر ، وهذا لا يجدي فيما نحن بصدده.
وأمّا الخبران الأوّلان : فهما وإن كانا مسوقين لبيان علامة القبلة وكيفيّة الاهتداء إليها بالجدي لكنّهما أيضا لا يخلوان من إجمال ؛ ضرورة أنّ وضع الجدي في القفا أو على اليمين ليس علامة لمعرفة القبلة على الإطلاق ، فالروايتان واردتان بحسب ما يقتضيه حال السائل ، فلا يصحّ الاستشهاد بهما ما لم يحرز الموضع الذي هو محطّ نظر السائل.
نعم ، يستكشف من إطلاق الأمر بالاعتماد على علامة واحدة في جواب من قال : إنّي رجل مسافر : ابتناء الأمر على التوسعة.
وربّما ينزّل موثّقة محمّد بن مسلم على إرادة قبلة العراق بقرينة كون السائل ـ أي محمّد بن مسلم ـ عراقيّا كوفيّا ، فعلى هذا تنطبق هذه الرواية على سائر العلامات التي ذكروها لأهل العراق ممّا كان مقتضاها استقبال نقطة الجنوب إن كان المراد بوضعه في القفا جعله بين الكتفين ، دون ما ذكروه في الجدي من وضعه خلف المنكب الأيمن ، وإن كان المراد به الإطلاق بحيث عمّ مثل ذلك ، لكان
__________________
(١) أي : موثّقة محمّد بن مسلم ومرسلة الصدوق ، المتقدّمتين في ص ٥٤ ـ ٥٥.