كنّا نظنّه شماليّا شرقيّ وأنّ جهة القبلة عكس ما كنّا نظنّه لولا إخباره ، فحينئذ يجب التعويل على الظنّ الفعلي الحاصل من خبره ، لا الظنّ التقديري الناشئ من اجتهادنا المرجوح بالإضافة إليه ، وأمّا إن كان خبره مستندا إلى أمارة حسّيّة موجبة للقطع بالجهة ، كإخباره الناشئ من العلم بمكان الجدي أو المشرق والمغرب علما حسّيّا لا حدسيّا ، فالأقوى تقديم قوله على الاجتهاد مطلقا إن كان عدلا فضلا عن العدلين ؛ لما عرفت في مبحث المواقيت (١) من حجّيّة خبر العادل في الموضوعات الخارجيّة ، كالأحكام الشرعيّة في غير ما يتعلّق بالخصومات ونحوها ممّا يعتبر فيه الشهادة ، فيكون إخبار العادل بمكان الجدي أو بملزومه ـ أي جهة القبلة ـ بمنزلة العلم بذلك ، فلا يسوغ معه الاجتهاد ؛ لكونه بمنزلة الاجتهاد في مقابلة النصّ.
فما زعمه بعض (٢) ـ من أنّ النسبة بين ما دلّ على وجوب الاجتهاد وبين ما دلّ على حجّيّة البيّنة ـ التي هي أوضح حالا من خبر العدل ـ العموم من وجه ، فلا يدّ في مورد الاجتماع من ملاحظة المرجّح ـ ليس على ما ينبغي ، بل قد يقوى في النظر عدم اشتراط العدالة أيضا ، وكفاية كون المخبر ثقة مأمونا عن الكذب إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، كما تقدّمت الإشارة إليه في ذلك المبحث ، فلا ينبغي ترك الاحتياط في مثل الفرض بالجمع بين العمل بقول المخبر وبظنّه الناشئ من اجتهاده.
__________________
(١) راجع ج ٩ ، ص ٣٦٩.
(٢) صاحب الجواهر فيها ٧ : ٣٩١.