وتصوير (١) أنّ الإسراف من العاقل في هذا المقام يجب أن لا يكون إلّا على سبيل الفرض والتّقدير كالمحالات ، لاشتمال (٢) المقام على الآيات (٣) الدّالّة على أنّ الإسراف ممّا لا ينبغي (٤) أن يصدر عن العاقل أصلا ، فهو بمنزلة المحال ، والمحال وإن كان مقطوعا بعدم وقوعه ، لكنّهم يستعملون فيه إن ، لتنزيله منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة ، وإرخاء العنان (٥) ، لقصد التّبكيت (٦) كما في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ)(١) (٧)
______________________________________________________
(١) أي تصوير المتكلّم للمخاطبين ، أي تفهيمهم» أنّ الإسراف من العاقل في هذا المقام» أي مقام تجاوزهم عن الإيمان ، الّذي هو أنفع الأشياء لهم في العاجل والآجل ، إلى الإسراف والكفر الّذي هو أضر الأشياء بهم كذلك ،» يجب أن لا يكون إلّا على سبيل الفرض والتّقدير كالمحالات ...».
(٢) تعليل لقوله : «لقصد التّوبيخ وتصوير الإسراف ...»
(٣) كقوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(٢) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ)(٣).
(٤) لأنّ العاقل لا يقدم على ما فيه ضرر ما ، فضلا عمّا فيه ضرر الدّنيا والآخرة ، فالإسراف منه بمنزلة المحال ادّعاء ، فيجب أن لا يتحقّق إلّا على سبيل مجرّد الفرض والتّقدير ، بحسب مقتضى المقام.
(٥) أي ينزّل المحال منزلة المشكوك ، من باب المماشاة مع الخصم.
(٦) أي إسكات الخصم وإلزامه ، من جهة أنّ الخصم إذا تنزّل معه إلى إظهاره مدّعاه في صورة المشكوك ، اطمأنّ لاستماعه ، فحينئذ إمّا يقبل رأي المتكلّم ، وإمّا يصبح ملزما ومفحما ، ولا مفرّ له إلّا السّكوت.
(٧) أي إن كان للرّحمن ولد ، وصحّ ذلك ، وثبت ببرهان صحيح ، وحجّة واضحة ، فأنا أوّل من يعظّم ذلك ، وأسبقكم إلى طاعته ، والانقياد له ، كما يعظّم الرّجل ولد الملك ، لتعظيم أبيه ، فهذا الكلام وارد على سبيل الفرض ، والغرض منه المبالغة في نفي الولد ، وأن لا يترك النّاطق به شبهة إلّا مضمحلّة ، وذلك أنّه علّق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال
__________________
(١) سورة الزّخرف : ٨١.
(٢) سورة الأنعام : ١٤١.
(٣) سورة الإسراء : ٣٧.