حيث لم يقل : إن يردن ، فإن قيل : تعليق النّهي (١) عن الإكراه بإرادتهنّ التّحصّن يشعر بجواز الإكراه عند انتفائها ، على ما هو مقتضى التّعليق بالشّرط ، أجيب (٢) بأنّ القائلين
______________________________________________________
جار الله كان لعبد الله بن أبي ست جوار يكرههنّ على البغاء ، وضرب عليهنّ ضرائب ، فشكت اثنتان منهنّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فنزلت الآية المذكورة.
وحاصل المعنى : لا تكرهوا إماءكم وجواريكم على الزّنا إن أردن تحصّنا ، أي عفّة ، وكانت الجاهليّة تكره الإماء على الزّنا ، فجاء الإسلام بتحريم ذلك.
والشّاهد : في قوله تعالى : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) حيث استعملت إن مع لفظ الماضي لإبراز غير الحاصل في معرض الحاصل من جهة إظهار الرّغبة إلى إرادتهنّ التّحصّن ، أي من جهة إظهار كمال رضائه سبحانه بها.
(١) أي لا تكرهوا ، وحاصل الإشكال إنّ تعليق قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا) بإرادتهنّ التّحصّن يقتضي بمفهوم المخالفة جواز إكراههنّ على الزّنا ، إذا لم يردن التّحصّن والعفّة ، مع أنّ الإكراه على الزّنا لا يجوز مطلقا قطعا ، فما معنى التّعليق في الآية الشّريفة؟!
والحاصل : إنّ تعليق النّهي عن الإكراه بإرادتهنّ التّحصّن يدلّ بالمفهوم المخالف على جواز الإكراه عند انتفاء تلك الإرادة على ما هو مقتضى التّعليق بالشّرط ، فكيف يجوز الحكم بالجواز مع كونه مخالفا لما هو من الضّروريات ، أعني حرمة الإكراه على البغاء؟!.
(٢) بوجوه : الأوّل : أنّ من يقول بأنّ الجملة الشّرطيّة تدلّ على الانتفاء عند الانتفاء ، إنّما يلتزم به إذا لم يكن للتّعليق بالشّرط فائدة أخرى ، أي غير الانتفاء عند الانتفاء مستدلّا بأنّه لو لم تكن عندئذ دالّة على مفهوم المخالفة للزم أن يكون التّعليق بالشّرط لغوا ، والفائدة للتّعليق بالشّرط في المقام موجودة ، وهي المبالغة في نهي الموالي عن الإكراه ، لما في ذلك من الإشعار بأنّ الإماء مع خسّتهنّ وشدّة ميلهنّ إلى الزّنا إن أردن التّحصّن والعفّة ، فهم أي الموالي أحقّ بإرادته مع كمال عقلهم بالإضافة إلى عقلهنّ ، ولا ريب أنّ هذا يوجب تأكّد طلب العفّة والتّحصّن منهم ، فيصير النّهي المتعلّق بالإكراه على الزّنا آكد وقويّا ومبالغا فيه ، فمع وجود هذه الفائدة لا مجال للالتزام بالمفهوم في الآية.