فإنّه يعرف بحسب الذّوق السّليم والطّبع المستقيم والتّدرّب (١) في معرفة معاني كلام العرب أن (٢) ليس المعنى ههنا على القصر وإن أمكن ذلك (٣) بحسب النّظر الظّاهر والتّأمّل القاصر.
______________________________________________________
مفعول ثان ل «رأيت» ، والجملة جواب شرط ل «إذا».
ومحلّ الشّاهد : قولها «الحسن» حيث عرّف بلام الجنس ، لإفادة أنّ اتّصاف المبتدأ به أمر واضح معروف ، لا لإفادة القصر فانتظر.
(١) التّدرّب من الدّربة ، بمعنى التّجربة.
(٢) قوله : «أنّ ليس ...» نائب فاعل «يعرف» أي يعرف أنّه لا معنى في قول الخنساء «رأيت بكاءك الحسن الجميلا» على القصر مطلقا ، لأنّ المعنى على اعتبار القصر الإضافيّ رأيت بكاءك الحسن لا بكاء غيرك ، أي الحسن مقصور على بكائك ، لا يتجاوز إلى بكاء غيرك أصلا ، وعلى اعتبار القصر الحقيقيّ بكاءك حسن لا شيء آخر ، أي الحسن مقصور على «بكاءك» لا يتجاوز إلى شيء آخر أصلا ، وكلّ واحد من هذين المعنيين خارج من مقتضى أسلوب قولها : «إذا قبح البكاء على قتيل رأيت بكائك الحسن الجميلا «لأنّ مقتضى ترتّب الجزاء على الشّرط ههنا هو إخراج بكائه من جنس بكاء القتلى بإثبات الحسن له لا قصره عليه ، فإنّه كما عرفت يقتضي نفيه عن غيره إضافة أو حقيقة ، فلا وجه للحمل عليه.
وبعبارة أخرى إنّ هذا الكلام إنّما هو للرّدّ على من يتوهّم أنّ البكاء على هذا المرثيّ قبيح كغيره ، فالرّدّ يحصل بمجرّد إخراج بكائه من القبح إلى كونه حسنا ، وليس هذا الكلام واردا في مقام من يسلم حسن البكاء ، إلّا أنّه يدّعى أنّ بكاء غيره حسن أيضا ، حتّى يكون معناه أنّ بكاءك هو الحسن الجميلا فقطّ فيفيد القصر الإفراد ، والحاصل إنّ الخنساء لم ترد أنّ ماعدا البكاء على صخر ليس بجميل ، ولا حسن حتّى يفيد كلامها قصرا حقيقيّا أو إضافيا ، بل أرادت أن تخرج بكاءه من جنس بكاء غيره بأن تثبت له الحسن والجمال.
(٣) أي القصر بحسب ظاهر التّعريف بأن يقال : إنّ التّعريف في قولها : «الحسن جالجميلا» لا يؤتى به بدلا من التّنكير إلّا لفائدة ، وهي القصر بأن يجعل القصر مبالغة ، أو إضافيّا بالنّسبة إلى بكاء غيره من القتلى ، إلّا أنّ هذا لا يخلو عن تكلّف ، لأنّ التّعريف ليس للقصر ، بل الغرض من التّعريف هو كون اتّصاف المبتدأ ، أي البكاء على صخر بالخبر ، أي بالحسن والجميل أمرا ظاهرا بحيث لا ينكر ، ولا يشكّ في ذلك هذا هو فائدة التّعريف لا إفادة الحصر.