لأنّ معنى (١) المبتدأ المنسوب إليه ، ومعنى الخبر المنسوب ، والذّات هي المنسوب إليها (٢) والصّفة هي المنسوب (٣) فسواء قلنا : زيد المنطلق ، أو المنطلق زيد ، يكون زيد مبتدأ ، والمنطلق خبرا ، وهذا رأي الإمام الرّازي «قدس الله سرّه» ، [وردّ (٤) بأنّ المعنى
______________________________________________________
(١) وحاصل التّعليل إنّ معنى المبتدأ هو المنسوب إليه ، والمثبت له المعنى وليس معنى المبتدأ الملفوظ به أوّلا ، وكذلك ليس معنى الخبر الملفوظ به ثانيا.
(٢) أي هي التّي نسبت الصّفة إليها ، وقامت بها خارجا بنحو من أنحاء القيام.
(٣) أي هي التّي نسبت إلى الذّات وطرأت عليها خارجا فيكون الاسم متعيّنا للابتداء ، والصّفة متعيّنة للخبريّة ، سواء قلنا : زيد المنطلق ، أو قلنا المنطلق زيد ، وعلى التّقديرين زيد هو المبتدأ ، والمنطلق هو الخبر فبطل الضّابط المذكور.
(٤) بالبناء للمفعول ، والرّادّ هو صاحب المفتاح ، وحاصل الرّدّ أنّ ما قيل : من تعيين الاسم للابتداء مطلقا لدلالته على الذّات ، وتعيّن الصّفة للخبريّة مطلقا لدلالتها على أمر نسبيّ إنّما هو باعتبار استعمال الاسم والصّفة على طبق الوضع ، فإنّ الاسم وضع للدّلالة على الذّات ، والصّفة وضعت للدّلالة على أمر نسبي ، فتعيّن الاسم للابتداء مطلقا ، والصّفة للخبريّة مطلقا ، كما قيل : إلّا أنّ هذا الاستعمال لا ينافي الاستعمال على خلاف الوضع عند الحاجة إليه بحسب التّأويل ، بأن يجعل المنطلق دالّا على الذّات ، بأن يكون المراد من لفظ المنطلق الشّخص الّذي له الانطلاق ، وأن يجعل زيد دالّا على أمر نسبي بأن يكون المراد من زيد صاحب الاسم ، فيكون المنطلق مبتدأ ، وزيد خبرا ، ولا مانع عنه ، وإن كان على خلاف الوضع ، إذ يجوز الاستعمال على خلاف الوضع ، ولا يجب كونه على طبق الوضع دائما.
وبعبارة أخرى : إنّ تعيين الاسم للابتداء والصّفة للخبريّة إنّما يثبت بالدّليل المذكور في المتن ، حكاية عن الرّازي إذا كانت دلالة الاسم على الذّات والصّفة على الأمر النّسبي متعيّنة ، بأن يكون المراد من الاسم الذّات دائما ، ومن الصّفة الأمر النّسبي دائما ، وليس الأمر كذلك ، فإنّ الاسم قد يراد منه الذّات ، كما إذا وقع مبتدأ ، وقد يراد منه الأمر النّسبي ، كما إذا وقع خبرا ، والصّفة أيضا قد يراد بها الذّات ، كما إذا وقعت مبتدأ ، وقد يراد منها الأمر النّسبي ، كما إذا وقعت خبرا ، فالدّليل المذكور لا يكون مثبتا لتعيّن الاسم للمبتدئيّة ، وتعيّن الصّفة للخبريّة.