وإنّما قال (١) من أوّل الأمر لأنّه ربّما يعلم أنّه خبر لا نعت بالتّأمّل في المعنى (٢) ، والنّظر إلى أنّه لم يرد في الكلام خبر للمبتدأ (٣) [كقوله (١) :
له (٤) همم لا منتهى لكبارها |
|
وهمّته الصّغرى أجلّ من الدّهر (٥)] |
______________________________________________________
لأنّا نقول : إنّ هذا التّوهّم ليس ممّا يعتني به ، فإنّه ضعيف جدّا ، يدفع بأدنى تأمّل ، بخلاف التّوهّم الكائن فيما إذا كان المسند إليه نكرة ، فإنّ حاجتها إلى النّعت أشدّ من حاجتها إلى الخبر إذا وقع في الابتداء ، فإذا أخّر الظّرف عنها يتوهّم أنّه نعت توهّما قويّا لا يدفع إلّا بعد التّأمّل العميق.
(١) أي قال المصنّف من أوّل الأمر ، لأنّه أي الشّأن ربّما يعلم في ثاني الحال من التّكلّم أنّ المسند الّذي لم يتقدّم خبر لا نعت.
(٢) ويعلم بغير ذلك أيضا ، ككونه لا يصلح للنّعت لكونه نكرة ، والجزء الآخر معرفة «والنّظر» عطف على «التّأمّل» أي بالنّظر كقولك لزيد خصائص غريبة ، فإنّه لو قيل : خصائص غريبة لزيد ، يحتمل بدوا أنّ الظّرف نعت وبعد عدم ذكر الخبر يعلم أنّه خبر.
(٣) أي بعد الخبر الموجود في الكلام ، فيفهم السّامع أنّ غرض المتكلّم هو الإخبار لا النّعت.
(٤) أي للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم همم تعلّت بمعالي الأمور ، ولا نهاية لكبارها.
(٥) المعنى : «همم» على وزن عنب جمع همّة ، وهي الإرادة المتعلّقة على وجه العزم بمراد مّا ، ويمدح الإنسان بتلك الإرادة إذا تعلّت بمعالي الأمور ، «لا منتهى لكبارها» منتهى الشّيء غايته ، والكبار على وزن الكتاب جمع كبير ، وهو خلاف الصّغير «أجلّ» أفعل بمعنى الأعظم.
وحاصل معنى البيت : إنّ المادح يقول : إنّ له صلىاللهعليهوآلهوسلم همما كثيرة كلّها علّيّة ، لكن بعضها أعلى من بعض باعتبار متعلّقها ، مثلا همّته المتعلّقة بفتح أو غزوة بدر أو غزوة أحد أو خيبر أعظم من همّته المتعلّقة بسائر الغزوات ، فهممه الكبار لا منتهى لها ، وأما همّته الصّغرى أجلّ باعتبار متعلّقها من الدّهر المحيط بما سواه من الممكنات ، وإنّما قلنا : باعتبار متعلّقها ، لأنّ الهمّة هي الإرادة على نحو العزم ، ولا تفاوت فيها باعتبار نفسها.
__________________
(١) أي قول حسان بن ثابت الأنصاري في مدح النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.