يجعل كذلك [الثّاني (١) كقوله تعالى :] قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون [(١)] (٢) ،
______________________________________________________
والثّاني : إنّ المبحوث عنه في المقام هو الفعل الّذي جعل بمنزلة اللّازم ، ويكون الغرض منه إثباته لفاعله ، أو نفيه عنه مطلقا ، أي من غير اعتبار تعلّقه بمفعول أصلا ، فضلا عن عمومه أو خصوصه ، فإذا كان كناية عن نفسه متعدّيّا يكون الغرض تعلّقه بمفعول مخصوص ، فكيف يكون داخلا فيما يكون الغرض منه إثباته لفاعله ، أو نفيه عنه مطلقا ويمكن الجواب عن كلا الأمرين.
أمّا الجواب عن الأمر الأوّل ، فملخّصه إنّ الكنّاية وإن كانت متقوّمة على اللّزوم إلّا أنّ اللّزوم قد يكون حقيقيّا ، كقولك : زيد كثير الرّماد ، وقد يكون ادّعائيّا ، كما في المقام فإنّ المتكلّم يدعّي الملازمة بين المطلق والمقيّد ، ويقول : إنّهما على نحو لا ينتقل الذّهن من الأوّل إلّا إلى الثّاني ، فالإشكال المذكور لا أساس له.
وأمّا الجواب عن الأمر الثّاني فنقول : إنّ تعلّق الفعل بمفعول مخصوص إنّما هو مقصود على نحو الكناية والانتقال من مدلول الكلام الأوّل إليه بواسطة القرينة ، وهذا لا ينافي كون المبحوث عنه هو الفعل المطلق المنزّل بمنزلة اللّازم ، فإنّ المراد من كونه مطلقا أنّه كذلك بالقياس إلى مدلوله الأوّل ، وما يدلّ عليه بلا قرينة ، فلا تناقض لاختلاف المحمول ، فإنّ الفعل مطلقا بالإضافة إلى مدلوله الأوّل وليس بمطلق بالقياس إلى مدلوله الثّاني المستفاد منه بمعونة القرينة الغير المانعة عن إرادة المعنى الأوّل ، إذ الكلام في الكناية لا المجاز ، لأنّ القرينة في المجاز مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي.
(١) أي الضّرب الثّاني ، وهو الفعل المطلق الّذي لا يجعل كناية عنه مقيّدا.
(٢) أصله هل يستوي الّذين يعلمون الدّين والّذين لا يعلمونه ، ثمّ حذف المفعول ، ونزّل الفعل منزلة اللّازم بحيث صار المراد من الفعل الماهيّة الكلّيّة ، أي هل يستوي الّذين وجدت منهم حقيقة العلم والّذين لم توجد عندهم بعد أن كان المراد بحسب الأصل ، أي الجري الطّبيعي علم شيء مخصوص ، فنزّل المتعدّي منزلة اللّازم ليفيد مبالغة الذّمّ ، إذ في هذا التّنزيل إشارة إلى أنّ الجهّال الّذين لا علم لهم بالدّين ، كأنّهم لا علم لهم أصلا ، وأنّهم
__________________
(١) سورة الزّمر : ٩.