بمفعول غير مذكور [وجب التّقدير بحسب القرائن (١)] الدالّة على تعيين المفعول ، إن عامّا (٢) فعامّ ، وإن خاصّا فخاصّ (٣) ولمّا وجب تقدير المفعول تعيّن أنّه مراد في المعنى ، ومحذوف من اللّفظ لغرض (٤).
______________________________________________________
(١) أتى بصيغة الجمع ، ولم يقل : بحسب القرينة ، نظرا إلى تعدّد الموارد والأمثلة ، وإلّا فقد يكون الدّال على المقدّر قرينة واحدة.
وأمّا تقييد المصنّف التّقدير هنا بالقرائن ، وعدم تقييده حذف المسند والمسند إليه بها ، مع أنّ الجميع سواء في الحاجة إليها ، إشارة إلى أنّ الحاجة إلى رعاية القرينة هنا أشدّ ، إذ الكلام يتمّ بدون متعلّق الفعل ، فلا يتمكّن المخاطب من فهمه إلّا بالقرينة ، بخلاف المسند والمسند إليه فإنّهما ممّا لا يعرض المخاطب عنه ، فإن عجز عن فهمهما يسأل عن المتكلّم.
(٢) أي وإن كان المدلول عليه بالقرينة عامّا ، فاللّفظ المقدّر عامّ.
(٣) أي وإن كان اللّفظ المدلول عليه بالقرينة خاصّا ، فاللّفظ المقدّر خاصّ.
وبعبارة أخرى إن كانت القرينة عامّا ، فالمفعول المقدّر نحو : قد كان منك ما يؤذي ، أي كلّ أحد ، ونحو قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) أي كلّ واحد ، وإن كانت القرينة خاصّا ، فالمفعول المقدّر خاصّ نحو قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) أي بعثه ، لأنّ الموصول يستدعي أن يكون في صلته ما يرجع إليه ، ونحو قول عائشة : ما رأيت منه وما رأى منّي ، أي العورة.
(٤) إشارة إلى أنّ المحذوف بعد دلالة القرينة عليه يحتاج إلى غرض في باب البلاغة ، والحاصل إنّ الحذف لا بدّ فيه من أمرين :
الأوّل : وجود القرينة الدالّة على تعيين ذلك المحذوف.
الثّاني الغرض الموجب له أو المرجّح له ، والمصنّف لمّا بيّن الشّرط الأوّل بقوله : «وجب التّقدير بحسب القرائن» شرع في تفصيل الثّاني بقوله : «إمّا للبيان بعد الإبهام» لأنّ الحذف حينئذ موجب لتمكّن المبيّن ورسوخه وارتكازه في النّفس ، لما مرّ غير مرّة من أنّ الحاصل بعد الطّلب أعز من المنساق بلا تعب وبلا طلب.