بل التّقدير : أمّا ثمود فهدينا فهديناهم ، بتقديم المفعول (١) ، وفي كون هذا التّقديم (٢) للتّخصيص نظر ، لأنّه (٣) يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل ، كما إذا جاءك زيد وعمرو ، ثمّ سألك سائل ما فعلت بهما؟ فتقول : أمّا زيدا فضربته وأمّا عمرا فأكرمته. فتأمّل (٤) [وكذلك] أي مثل : زيدا عرفت ، في إفادة الاختصاص [قولك :
______________________________________________________
(١) فيفيد التّخصيص.
(٢) أي الحاصل مع أمّا «للتّخصيص نظر» لكونه لإصلاح اللّفظ ، وشرط إفادة التّقديم التّخصيص أن لا يكون لإصلاح التّركيب ، كما في الآية ، وإلّا فلا يكون للاختصاص ، هذا مضافا إلى ما هو موجود في الشّرح.
(٣) أي لأنّ التّقديم المذكور يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل أعني الهداية في الآية ، والتّقديم مع جهل السّامع بثبوت أصل الفعل لا يفيد التّخصيص.
والحاصل : إنّ التّخصيص لا يكون بالتّقديم مع الجهل بثبوت أصل الفعل ، بل بالتّقديم مع العلم بثبوت أصل الفعل ، فالتّقديم في الآية المذكورة لا يكون للتّخصيص ، لأنّ المخاطب كان جاهلا بما صنع الله بثمود ، وأنّه ما ذا فعل بهم! فقيل في جوابه : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) حيث يكون الغرض إثبات أصل الهداية ، أي الدّعوة إلى الحقّ المتعلّقة بهم ثمّ الإخبار بسوء صنيعهم لبيان أنّ إهلاكهم كان بعد إقامة الحجّة عليهم ، وليس الغرض منها بيان أنّ ثمود هدوا ، فاستحبّوا العمى على الهدى دون غيرهم ردّا على من زعم انفرادهم بالهداية أو مشاركته لهم بها ، كي يكون التّقديم فيها للتّخصيص.
فالمراد من النّظر المذكور ردّ قول المصنّف حيث قال : («وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) فلا يفيد إلّا التّخصيص» كما أنّ التّقديم في مثال : «أمّا زيدا فضربته ..» ليس للتّخصيص والحصر ، لأنّ المخاطب لم يكن عارفا بثبوت أصل الضّرب والإكرام ، وقد عرفت أنّ التّقديم مع جهل السّامع بثبوت أصل الفعل لا يكون للتّخصيص.
(٤) أي في هذا البحث ليظهر لك أنّ الغرض من الآية بيان أنّ أصل الهداية ، أي الدّعوة إلى الحقّ حصلت لهم والإخبار بسوء صنيعهم ليعلم أنّ إهلاكهم إنّما كان بعد إقامة الحجّة عليهم ، فلا يتصوّر زعم الاشتراك ، أو انفراد غيرهم في تحقّق الهداية منهم ، واستحباب العمى عليها ، وحينئذ لا يتصوّر التّخصيص كما قال المصنّف.