نحو قوله تعالى (١) : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ)(١) فإنّه لو أخّر] قوله : (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) عن قوله : (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) [لتوهّم أنّه من صلة (يَكْتُمُ) أي يكتم إيمانه من آل فرعون ، [فلم يفهم أنّه] أي ذلك الرّجل كان [منهم] أي من آل فرعون ، والحاصل إنّه ذكر لرجل ثلاثة أوصاف :
______________________________________________________
التّأخير موهما لمعنى هو غير مراد ، فيقدّم المفعول لأجل الاحتراز والتّباعد عن هذا الإيهام.
(١) بعده قوله تعالى : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
المعنى : لمّا قصد فرعون قتل موسى ، وعظه وأتباعه رجل مؤمن من آله ، وأخبر الله عن ذلك في هذه الآية ، فقال : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) منه ومن أتباعه على وجه التّقيّة ، وهذا الرجّل على ما ذكره بعض المفسّرين هو الّذي كان وليّ عهده من بعده ، وكان اسمه حبيب ، وقيل : اسمه حزبيل ، (أَتَقْتُلُونَ) الهمزة للإنكار ، أي لا تقتلوا رجلا لأجل أنّه يقول : (رَبِّيَ اللهُ ،) والحال أنّه (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) الدّالّة على صدقه من المعجزات كالعصا واليد البيضاء وغيرهما.
ثمّ قال ـ على وجه التّلطّف ـ : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) أي فعليه وبال كذبه ، ولا ضير عليكم ، (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) من النّجاة على تقدير إيمانهم ، والهلاك على تقدير ثباتهم على الكفر ، فإنّ موسى عليهالسلام كان يعدهم النّجاة على تقدير الإيمان ، والهلاك على تقدير الكفر.
والشاهد فيه :
تقديم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) على (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) احترازا عن الإخلال في المعنى على فرض التّأخير ، إذ لتوهّم توهّما قريبا أنّ صلة (يَكْتُمُ) لا تكون منحصرة في المفعول ، أي إيمانه ، بل له صلة أخرى ، وهي كون الرّجل من غير آل فرعون فلم يفهم أنّ ذلك الرّجل من آل فرعون ، والحال إنّ الغرض بيان أنّه منهم لإفادة ذلك مزيّة عناية ، حيث آمن به سبحانه مع كونه من آل فرعون ، فالتّأخير فيه إخلال بهذا المقصود المهمّ ، وقد ذكر لرجل ثلاثة أوصاف :
__________________
(١) سورة المؤمن : ٢٨.