[وقد يقصد به (١)] أي بالثّاني [المبالغة لعدم الاعتداد بغير المذكور (٢)] كما يقصد بقولنا : ما في الدّار إلّا زيد ، إنّ جميع من في الدّار ممّن عدا زيدا ، في حكم العدم ، فيكون قصرا حقيقيّا ادّعائيّا (٣).
______________________________________________________
لو أريد مطلق الدّار لم يصحّ حصر الكون في مطلق زيد ، إذ لا بدّ من كون غير زيد في دار ما ، وكيف كان فالأولى التّمثيل بنحو : لا إله إلّا الله ، وما خاتم الأنبياء إلّا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(١) أي رجوع الضّمير المجرور إلى القسم الثّاني من الحقيقيّ كما اختاره الشّارح أنسب وأقرب بحسب اللّفظ ورجوعه إلى الحقيقيّ مطلقا أصحّ وأشمل بحسب المعنى والفائدة لتناوله قسميّ الحقيقيّ معا ، إذ قصر الموصوف على الصّفة قصرا حقيقيّا مبالغة وادّعاء موجود قطعا ، بخلاف قصره عليها حقيقيّا تحقيقيّا ، فإنّه لا يكاد يوجد إلّا في فرض عدم التّحرّز من الكذب ، وقيل : إرجاع الضّمير إلى مطلق القصر أشمل ، إذ لا مانع من اعتبار المبالغة والادّعاء في القصر الإضافيّ ، اللهمّ إلّا أن يقال : لم يقع مثله في كلام البلغاء ، وإن جاز عقلا.
(٢) كما إذا كان المقام مقام مدح المذكور ، كما إذا وجد علماء في البلد ، وأريد المبالغة في كمال صفة العلم في زيد ، فينزّل غير زيد منزلة من انتفت عنه صفة العلم ، لعدم كمالها فيه ، فيقال : لا عالم في البلد إلّا زيد.
(٣) الظّاهر إنّ إطلاق لفظ الحقيقيّ على مثل هذا القصر مجاز ، لأنّ الحقيقة ما يكون مطابقا لنفس الأمر ، والقصر في المقام ليس مطابقا له ، فإطلاق الحقيقيّ عليه مجاز مبتني على التّشبيه ، حيث إنّه يشابه القصر المطابق للواقع في كونه ناظرا إلى جميع ما عدا المقصور عليه.
كما أنّ الكلام المفيد له مشتمل على المجاز في الإسناد ، لأنّه إذا قيل : لا عالم في البلد إلّا زيد على وجه حصر العلم فيه ، ونفيه عن غيره لعدم الاعتداد بالعلم في ذلك الغير ، فنفي العلم عن غير زيد الّذي تضمّنه هذا الحصر ليس كذلك في نفس الأمر ، وإنّما نسب ذلك النّفي إلى الغير بكونه بمنزلة المتّصف بالنّفي لضعف الإثبات فيه ، ونسبة الشّيء إلى غير من هو له مجاز عقليّ.