فإنّ المخاطب اعتقد اشتراكه (١) في صفتين والمتكلّم يخصّصه بإحداهما ، ويتجاوز عن الأخرى ، ومعنى ـ دون ـ في الأصل أدنى مكان من الشّيء ، يقال : هذا دون ذاك ، إذا كان أحطّ (٢) منه قليلا ثمّ استعير (٣) للتّفاوت (٤) في الأحوال والرّتب ، ثمّ اتّسع فيه فاستعمل في كلّ تجاوز حدّ إلى حدّ ، وتخطّي (٥) حكم إلى حكم ، ولقائل أن يقول : إن أريد بقوله : دون أخرى ، ودون آخر ، دون صفة واحدة أخرى ، ودون أمر واحد آخر ، فقد خرج عن ذلك (٦) ما إذا اعتقد المخاطب اشتراك ما فوق الاثنين ،
______________________________________________________
التّعرّض لنفيها أو ثبوتها ، وهو ليس بمراد ، فإنّ المراد التّعرّض لانتفائها.
والثّاني : إنّ «دون» بمعنى متجاوزا حال عن التّخصيص ، أي المتكلّم.
(١) أي في العبارة قلب ، والأصل اعتقد اشتراك صفتين فيه.
(٢) حاصله إنّ «دون» يستعمل في المكان المحسوس المنخفض بالنّسبة إلى مكان آخر انخفاضا يسيرا ، فيقال : هذا البيت دون ذلك البيت ، إذا كان أحطّ منه قليلا ، فهو في الأصل اسم مكان حسّيّ ، ثمّ استعمل في المكان المعنويّ من الأحوال والرّتب ، مع مراعاة أنّ صاحب هذا المكان أدنى وأخفض مرتبة من الآخر ، فيقال : زيد دون عمرو في الفضل.
فقوله : «أدنى مكان من الشّيء» أي مكان منخفض بالنّسبة إلى مكان آخر ، فإضافة «أدنى» إلى «مكان» من إضافة الصّفة إلى الموصوف والمراد به المكان المحسوس.
(٣) أي نقل ، أو المراد الاستعارة التّصريحيّة ، فتكون كلمة «دون» استعملت في المكان المعنويّ بالنّقل ، أو بالاستعارة من المكان الحسّيّ بعد تشبيه المكان المعنويّ به.
(٤) أي التّفاوت في المراتب المعنويّة تشبيها لها بالمراتب الحسّيّة حتّى صار استعماله فيه أكثر من الأصل.
(٥) أي تجاوز حكم إلى حكم ، وفي بعض النّسخ تحطّي بالحاء المهملة ، فيكون المعنى انحطاط حكم ، وانخفاضه عن حكم.
(٦) أي عن تفسير القصر الغير الحقيقيّ ، فقوله : «ولقائل أن يقول : «اعتراض على تعريف المصنّف بأنّه ليس جامعا ولا مانعا ، مع أنّ التّعريف لا بدّ أن يكون جامعا ومانعا.
وتوضيح الاعتراض : إنّ المصنّف إن اختار الشّقّ الأوّل من شقّي التّرديد المذكورين في كلام هذا القائل ، كان تعريفه غير جامع لخروج معظم أفراد القصر الإضافيّ ، وهو ما يكون لنفي