فإنّ أصله أن يكون الحكم المستعمل هو فيه ممّا يعلمه المخاطب ولا ينكره (١) ، كذا في الإيضاح (٢) نقلا عن دلائل الإعجاز. وفيه (٣) بحث : لأنّ المخاطب إذا كان عالما بالحكم ، ولم يكن حكمه مشوبا بخطأ ، لم يصحّ القصر (٤) ، بل لا يفيد الكلام سوى لازم الحكم.
وجوابه (٥) : إنّ مراده أنّ إنّما يكون لخبر من شأنه أن لا يجهله المخاطب ولا ينكره ، حتّى أنّ إنكاره يزول بأدنى تنبيه لعدم إصراره عليه.
______________________________________________________
(١) أي هذا لا يكون في قصر التّعيين لأنّ المخاطب في قصر التّعيين متردّد وشاكّ ، فلا يتصوّر الإنكار من المتردّد ، بل هو مختصّ بقصر القلب ، والإفراد ، وكيف كان فاستعمال الإنكار في قصر التّعيين على خلاف الأصل والظّاهر.
(٢) حيث قال المصنّف فيه ما هذا لفظه : وأصل الثّالث أن يكون ما استعمل له ممّا يعلمه المخاطب ولا ينكره على عكس الثّاني.
(٣) أي في قوله : «بخلاف الثّالث» أي إنّما بحث واعتراض ، لأنّ المخاطب إذا كان عالما بالحكم ، ولم يكن حكمه مشوبا بالصّواب والخطأ بأن لم يكن جاهلا بالحكم أصلا لا جهلا بسيطا ولا مركّبا لم يصحّ القصر ، لأنّه لردّ الخطأ وبيان الصّواب.
(٤) أي بل للإضراب الانتقالي ، أي لا يفيد الكلام سوى لازم الحكم ، وهو إفادة المتكلّم للمخاطب بأنّه عالم بالحكم مثله ، والوجه فيه أنّ المفروض كون المخاطب عالما بالحكم ، فلا يعقل إفادة نفس الحكم لاستحالة تحصيل الحاصل ، فليس له شأن سوى إفادة أنّ المخبر عالم بالحكم ، وهذا هو لازم الحكم.
(٥) أي جواب الإشكال المذكور ، وحاصله : إنّ قولهم إنّ أصل إنّما أن يكون الحكم الّذي استعملت فيه ممّا يعلمه المخاطب ولا ينكره ، مرادهم به أنّ ذلك الحكم من شأنه أن يكون معلوما للمخاطب لكونه ممّا شأنه أن يظهر أمره ، بحيث يزول الإنكار بأدنى تنبيه في زعم المتكلّم ، فلا ينافي هذا كونه مجهولا بالفعل.