[لا لتسليم (١) انتفاء الرّسالة] فكأنّهم (٢) قالوا إنّ ما ادّعيتم (٣) من كوننا بشرا ، فحقّ لا ننكره ، ولكن هذا (٤) لا ينافي أن يمنّ (٥) الله تعالى علينا بالرّسالة ، فلهذا (٦) أثبتوا البشريّة لأنفسهم وأمّا إثباتها (٧) بطريق القصر فليكون على وفق كلام الخصم
______________________________________________________
(١) قوله : «لا لتسليم انتفاء الرّسالة» عطف على قوله : «من باب مجاراة الخصم» ، والمعنى أنّ ما قاله الرّسل للمجاراة ، ولم يقولوه لتسليم انتفاء الرّسالة عنهم ، وذلك لأنّ المراد ما نحن إلّا بشر لا ملائكة كما تقولون ، لكن لا ملازمة بين البشريّة ونفي الرّسالة كما تعتقدون ، فإنّ الله تعالى يمنّ على من يشاء من عباده بخصوصيّة الرّسالة ، ولو كانوا بشرا.
(٢) أي الرّسل.
(٣) أي أيّها الكفّار.
(٤) أي كوننا بشرا.
(٥) أي ينعم الله سبحانه علينا بالرّسالة.
(٦) أي فلعدم التّنافي بين البشريّة والرّسالة.
(٧) أي إثبات البشريّة «بطريق القصر» حيث قالوا : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ولم يقولوا : نحن بشر مثلكم فقوله : «وأمّا إثباتها» جواب عن سؤال مقدّر ، وتقريره : أنّه يكفي في المجاراة أن يقولوا نحن بشر مثلكم ، فلا وجه لإفادتهم بطريق القصر ، فالنّفي والاستثناء لغو ، إذ ليس المراد إلّا مجرّد البشريّة.
وحاصل الجواب : إنّ قولهم : بطريق القصر لقصد المطابقة لكلام الخصم في الصّورة ، فيكون في الكلام مشاكلة ، وهذا أقوى في المجاراة ، وعلى هذا يكون الحصر غير مراد ، بل هو صوري فقط.
وحاصل الكلام في المقام :
إنّ المصنّف لمّا فرغ من ذكر المثالين لما وإلّا كان في أحدهما جائيا على أصله ، وفي الآخر على خلافه ، أراد أن يذكر مثالين لإنّما كان في أحدهما مستعملا على أصله وفي الآخر على خلافه ، فقال : وكقولك ، عاطفا له على قوله : «وكقولك لصاحبك» الّذي كان مسوقا لذكر المثالين لما وإلّا.