فكأنّهم (١) سلّموا انتفاء الرّسالة عنهم أشار إلى جوابه (٢) بقوله : [وقولهم] أي قول الرّسل المخاطبين (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) من] باب [مجاراة (٣) الخصم] وإرخاء (٤) العنان إليه بتسليم بعض مقدّماته [ليعثر (٥)] الخصم ـ من العثار ـ ، وهو الزّلّة (٦) ، وإنّما يفعل ذلك [حيث (٧) يراد تبكيته] أي إسكات الخصم وإلزامه ،
______________________________________________________
(١) وحاصل ذلك أنّ الكفّار قد ادّعوا أنّ المخاطبين وهم الرّسل مقصورون على البشريّة ، وليسوا رسلا بناء على زعمهم من التّنافي بين الوصفين أعني البشريّة والرّسالة ، فإذا قول الرّسل في جوابهم (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) يكون اعترافا لهم بكونهم مقصورين على البشريّة ، وغير متجاوزين عنها إلى الرّسالة ، والحال إنّ الأمر ليس كذلك ، وهم منزّهون من أن يعترفوا كذلك.
(٢) أي جواب السّؤال المذكور ، وحاصل الجواب : إنّ قولهم هذا من باب المماشاة معهم ، وجعله مشتملا على أداة القصر من جهة قصد لتّطابق في الصّورة ، أي كونه على وفق كلامهم صورة ، لا من جهة قصد القصر واقعا ، وإذا ليس في كلامهم حزازة ومنقصة «وقولهم» أي قول الرّسل المخاطبين (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) من باب مجاراة الخصم ، أي مماشاته ، والجري معه في الطّريق من غير مخالفة في السّلوك ، ومثاله أن تريد إزلاق صاحبك ، فتماشيه في الطّريق المستقيم حتّى إذا وصلت إلى مزلقة أزلقته وألقيته في الخطر والمهلكة.
(٣) أي مماشاة الخصم.
(٤) أي عطف على «مجاراة» ، عطف لازم على ملزومه.
(٥) أي لأنّه إذا سلّم له بعض مقدّماته كان ذلك وسيلة لإصغائه لما يلقى إليه بعد ذلك من الكلام المثبت للدّعوى ، فيعثر عند إلقائه ويفحم ، وأمّا إذا عورض من أوّل وهلة ربّما كان ذلك سببا لنفرته ، وعدم إصغائه وعناده ، والمراد ببعض المقدّمات صغرى القياس الّذي ذكرناه أعني كونهم بشرا ، وأمّا كون البشر لا يكون رسولا ، وهو الكبرى فلم يسلّموها.
(٦) وهو الوقوع والسّقوط.
(٧) علّة «ليعثر».