لذلك ، لكنّهم نزّلوا منزلة المنكرين (١) [لاعتقاد القائلين] وهم الكفّار [إنّ الرّسول لا يكون بشرا (٢) مع إصرار المخاطبين على دعوى الرّسالة] فنزّلهم القائلون منزلة المنكرين للبشريّة لمّا اعتقدوا اعتقادا فاسدا من التّنافي بين الرّسالة والبشريّة ، فقلّبوا (٣) هذا الحكم بأن قالوا : إن أنتم إلّا بشر مثلنا ، أي مقصورون على البشريّة ليس لكم وصف الرّسالة الّتي تدّعونها.
ولمّا كان هنا مظنّة (٤) سؤال ، وهو أنّ القائلين قد ادّعوا التّنافي بين البشريّة والرّسالة ، وقصروا على المخاطبين على البشريّة ، والمخاطبون قد اعترفوا بكونهم مقصورين على البشريّة حيث قالوا : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٥) ،
______________________________________________________
(١) المعنى :
حكى الله سبحانه قصّة ما صنع الكفّار من قوم عاد وثمود ونوح ، والّذي من بعدهم مع رسلهم ، فقال للرّسل قومهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فما كنتم رسلا من الله سبحانه ، فإنّ الرّسل لابدّ أن يكونوا ملائكة ، تريدون أن تمنعونا عمّا كان يعبد آباؤنا من الأصنام والأوثان ، وإن كنتم رسلا فأتونا بحجّة واضحة على صحّة ما تدعونه ، ومعجزة باهرة موجبة لليقين بصدقه.
والشاهد فيه :
ما ذكره الشّارح فإنّ المخاطبين بهذا الكلام وهم الرّسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا ولا منكرين لذلك لكنّهم نزّلوا منزلة المنكرين.
(٢) أي إنّما يكون ملكا.
(٣) أي القائلون «هذا الحكم» أي المستلزم لنفي البشريّة بحسب زعمهم.
(٤) أي مظنّة اسم مكان ، أي لمّا كان هنا موضع أن يظنّ فيه وقوع «سؤال وهو» أي السّؤال إنّ القائلين قد ادّعوا لتّنافي بين البشريّة والرّسالة ، وقصّروا المخاطبين على البشريّة ، والمخاطبون قد اعترفوا بكونهم مقصورين على البشريّة ، حيث قالوا : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي لسنا من الملائكة.
(٥) أي المخاطبين ، وهم الرّسل «سلّموا انتفاء الرّسالة عنهم» باعتبار أنّ البشريّة مناف للرّسالة عندهم ، فاعتراف الرّسل بالبشريّة يكون نفيا لرسالتهم على زعمهم ، فلا يكون مبطلا لدعوى الكفّار ، بل مثبت لها بزعمهم.