حتّى (١) أنّ ما يوضع في أوّل التّعاليم من حدود الأشياء الّتي يبرهن عليها في أثناء التّعاليم (٢) ، إنّما هي حدود اسميّة ، ثمّ إذا برهن عليها وأثبت وجودها. صارت تلك الحدود (٣) بعينها حدودا حقيقيّة ، وجميع ذلك مذكور في الشّفاء (٤)
______________________________________________________
(١) غاية لقوله :
«لأنّ الحدّ بحسب الذّاتّ لا يكون إلّا بعد ...» ، وحاصل كلامه أنّ الحدّ الاسميّ قد ينقلب حقيقيّا ، فإنّ الواضع إذا تعقّل نفس حقيقة شيء كحقيقة الإنسان مثلا ، أي الحيوان النّاطق ، ووضع اللّفظ بإزائها ، فقبل العلم بوجود تلك الحقيقة يكون تعريف الإنسان بالحيوان النّاطق تعريفا اسميّا ، فإذا قال أحد لا يعرف الإنسان ولا وجوده : ما الإنسان؟
فقيل في جوابه :
حيوان ناطق ، كان التّعريف اسميّا ، أمّا لو قال : ما الإنسان بعد ما عرف وجوده في الخارج طالبا بيان حقيقته التّفصيليّة ، كان الحدّ حقيقيّا ، فإذا يمكن أن يكون جواب واحد حدّا بحسب الحقيقة بالإضافة إلى شخص وحدّا اسميّا بالقياس إلى شخص آخر أو حدّا حقيقيّا واسميّا بالنّسبة إلى شخص واحد باعتبار الزّمانين.
(٢) قوله :
«التّعاليم» جمع التّعليم ، المراد به التّراجم كالفصول وأبواب الكتاب ، وقيل المراد بالتّعاليم الرّياضيات بأقسامها الأربعة ، أعني إلهيّات والهندسة والحساب والموسيقى سمّيت بالتّعاليم ، لأنّ الحكماء كانوا يعلّمونها صبيانهم أوّلا.
(٣) أي التّعاريف.
(٤) أي كتاب لابن سينا ، وعلم من كلامه : أنّ الجواب الواحد يجوز أن يكون حدّا بحسب الاسم ، وبحسب الذّاتّ بالقياس إلى شخصين أو بالقياس إلى شخص واحد في وقتين ، كما عرفت.
هذا تمام الكلام في الجزء الثّاني ، ويليه الجزء الثّالث ، إن شاء الله.