ونحن اللّذون صبّحوا الصّباحا (١) ومثل قوله تعالى : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ،) و (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ،) فإنّ الالتفات إنّما هو في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) والباقي جار على أسلوبه ، ومن زعم أنّ في مثل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) التفاتا (٣) ، والقياس آمنتم ، فقد سها على ما يشهد به كتب النّحو (٤)
______________________________________________________
(١) وجه خروج هذا المثال إنّ فيه الانتقال من ضمير المتكلّم أعني «نحن» إلى الغيبة وهو «اللّذون» إلّا أنّ هذا الانتقال ليس على خلاف مقتضى الظّاهر ، بل ممّا يقتضيه الظّاهر ، لأنّ الإخبار بالظّاهر وإن كان من قبيل الغيبة عن ضمير المتكلّم أو المخاطب إلّا أنّه جار على ظاهر ما يستعمل في الكلام فلم يجر على خلاف ما يترقّبه السّامع ، فخرج بالشّرط المذكور ، إذ لو لا ذلك الشّرط لحكم بأنّ هذا التفات.
وحاصل الكلام أنّه لو لا ذلك القيد لدخل جميع هذه الأمثلة في الالتفات ، لأنّه قد عبّر فيها عن معنى بطريق من الطّرق الثّلاثة بعد التّعبير عنه بطريق آخر ، فخرج جميع هذه الأمثلة بذلك القيد ، لأنّ التّعبير الثّاني فيها ليس على خلاف مقتضى ظاهر الحال ، كما عرفت.
(٢) وجه خروج قوله تعالى عن الالتفات بعد ما كان فيه التّعبير عن المعنى وهو الذّات العليّة بطريق ، بعد التّعبير عنها بآخر ، وهو الغيبة في قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) و (أَنْعَمْتَ) إلّا أنّ هذا التّعبير أعني ـ (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ـ على خلاف مقتضى الظّاهر ، لأنّ الالتفات حصل أوّلا بقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) والثّاني وهو قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أتى على أسلوبه كما في كلام الشّارح فلكلّ واحد من (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) و (اهْدِنَا) و (أَنْعَمْتَ) بالنّظر إلى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وإن كان يصدق عليه أنّه انتقال من طريق إلى آخر لكنّه على خلاف مقتضى الظّاهر ، بل جار على مقتضاه نظرا إلى رعاية وحدة الأسلوب فهذه الثّلاثة خارجة بالشّرط المذكور في كلام الشّارح.
(٣) لأنّ (الَّذِينَ) منادى في الحقيقة فهو مخاطب ، والمناسب له آمنتم ، فالعدول عن الخطاب إلى الغيبة التفات.
(٤) من أنّ عائد الموصول قياسه أن يكون بلفظ الغيبة ، وإن وقع منادى لأنّ الموصول اسم ظاهر من قبيل الغيبة ، وإن عرض به الخطاب بسبب النّداء ، وحينئذ ف (آمَنُوا) جار على مقتضى الظّاهر ، فخرج عن الالتفات بالقيد المذكور.