عامّة وخاصّة مكّة والمدينة محل نزول القرآن من حيث هيمنة روح التنافر والعداء والحقد بين الناس ، وخاصّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو النموذج الكامل لهذا المعنى ، كما أعلن العفو العامّ عن مشركي مكّة الّذين هم أشدّ الناس عداوة للإسلام والمسلمين ، والجواب بهذا المعنى لا يتنافى مع سؤالهم بشأن الإنفاق المالي ، لأنّهم قد يسألون عن موضوع كان ينبغي أن يسألوا عن أهم منه ، والقرآن يستثمر فرصة سؤالهم المعبّر عن استعدادهم للسّماع والقبول ليجيبهم بما هو أهم وألزم ، وهذا من شؤون الفصاحة والبلاغة حيث يترك سؤالهم ليتناول موضوعا أهم. ولا يوجد تعارض بين هذه التفاسير ، فيمكن أن تكون مرادة بأجمعها من مفهوم الآية.
وأخيرا يقول تعالى في ختام الآية : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
ويذكر بدون فصل في الآية التالية المحور الأصلي للتفكّر ويقول (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).
أجل ، يجب أن تكون جميع نشاطات الإنسان الماديّة والمعنوية في الحياة مشفوعة بالفكر والتدبّر ، ويتّضح من هذه العبارة أمران :
الأوّل : إنّ الإنسان إضافة إلى وجوب التسليم أمام أوامر الله يجب أن يطيع هذه الأوامر عن تفكّر وتعقّل لا عن اتّباع أعمى ، وبعبارة اخرى على الإنسان المؤمن أن يعي أسرار الأحكام وروحها ليس فقط في مجال تحريم الخمر والقمار ، بل في جميع المجالات ولو إجمالا.
ولا يعني هذا الكلام أنّ إطاعة الأحكام الإلهيّة مشروطة بإدراك فلسفتها وحكمتها،بل المراد أنّ الإنسان يجب عليه بموازاة الطّاعة العمليّة أن يسعى إلى فهم أسرار وروح الأحكام الإلهيّة.
الثاني : إنّ على الإنسان أن لا يحصر تفكيره في عالم المادّة وحده أو عالم