المعنى وحده ، بل عليه أن يفكّر في الإثنين معا ، لأنّ الدنيا والآخرة مرتبطتان وكلّ خلل في أحدهما يخلّ بالآخر ، وأساسا لا يمكن أن يؤدي أحدهما إلى رسم صورة صحيحة عن الواقعيّات في هذا العالم ، لأنّ كلّا منهما هو قسم من هذا العالم ، فالدنيا هي القسم الأصغر والآخرة القسم الأعظم ، فمن حصر فكره في أحدهما فإنّه لا يمتلك تفكيرا سليما عن العالم.
ثمّ تذكر الآية السؤال الرابع وجوابه وتقول : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) (١).
وعلى هذا الأساس فالقرآن يوصي المسلمين بعدم إهمال اليتامى ، فإنّ الإعراض عن تحمّل مسئوليتهم وتركهم وشأنهم أمر مذموم ، فالأفضل أن يتقبّلوا المسؤوليّة ويصلحوا أمر اليتامى وإن اختلطت معيشتهم بمعيشتكم فعاملوهم معاملة الأخ لأخيه ، فلا حرج في الاختلاط الأموال إذا كان الدافع هو الإصلاح.
ثمّ تضيف الآية (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) أجل ، إنّ الله مطلّع على نيّاتكم ويعلم من يقصد السوء بالاستفادة من أموال اليتامى ليحيف عليهم ومن هو مخلص لهم.
والفقرة الأخيرة من الآية تؤكّد بأنّ الله تعالى قادر على أن يضيّق ويشدّد عليكم برعاية اليتامى مع فصل أموالهم عن أموالكم ، لكنّ الله لا يفعل ذلك أبدا ، لأنّه عزيز وحكيم ، ولا داعي لأن يضيّق على عباده (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢).
* * *
__________________
(١) جملة شرطية ، فيها محذوف وتقديره «لا بأس به» أو «فلكم ذلك».
(٢) «اعنتكم» من مادة «عنت» وفي الأصل بمعنى الوقوع في أمر مخوف ، وعلى قول مقاييس اللغة أنه يعني كلّ أمر شاق. وعبارة «فإخوانكم» بمثابة الدليل على ذلك.