الخرافيّة في مورد الحجّ ونهت الآية الناس عن ذلك ، حيث تقول : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ذهب كثير من المفسّرين إلى أن الناس في زمن الجاهليّة كانوا يمتنعون لدى لبسهم ثياب الإحرام من الدخول في بيوتهم من أبوابها ويعتقدون بحرمة هذا العمل ، ولهذا السبب فإنّهم كانوا يفتحون كوّه وثقب خلف البيوت لكي يدخلوا بيوتهم منها عند إحرامهم ، وكانوا يعتقدون أنّ هذا العمل صحيح وجيّد ، لأنّه بمعنى ترك العادة (١) والإحرام يعني مجموعة من تروك العادات فيكتمل كذلك بترك هذه العادة.
ويرى بعضهم أنّ هذا العمل كان بسبب أنّهم لا يستظلّون بسقف في حال الإحرام، ولذلك فإنّ المرور من خلال ثقب الحائط بالقياس مع دخول الدار من الباب يكون أفضل، ولكنّ القرآن يصرّح لهم أنّ الخير والبر في التقوى لا في العادات والرّسوم الخرافيّة ، ويأمر بعد ذلك فورا بأن يدخلوا بيوتهم من أبوابها.
وهذه الآية لها معنى أوسع وأشمل ، وذلك أنّ الإنسان لا بدّ له عند ما يقدم على أيّ عمل من الأعمال سواء كان دينيا أو دنيويا لا بدّ له من أن يرده من طريق الصحيح لا من الطرق المنحرفة ، كما ورد هذا المعنى في رواية جابر عند ما سأل الإمام الباقر عليهالسلام عن ذلك(٢).
وهكذا يكون بامكاننا العثور على ارتباط جديد بين بداية الآية ونهايتها ، وذلك أنّ كلّ عمل لا بدّ أن يرده الإنسان من الطريق الصحيح ، فالعبادة في الحجّ أيضا لا بدّ أن يبتدأ الإنسان بها في الوقت المقرّر وتعيينه بواسطة الهلال.
__________________
(١) تفسير البيضاوي : ذيل الآية المذكورة.
(٢) مجمع البيان ، المجلد الأوّل ، ص ٢٨٤ في تفسير الآية.