فعلى هذا يكون المراد من التسريح بإحسان أن يؤدّي للمرأة حقوقها بعد الانفصال النهائي ، ولا يسعى الإضرار بها عملا وقولا بأن يعيبها في غيابها أو يتّهمها بكلمات رخيصة ويسقط شخصيّتها وسمعتها أمام الناس ، وبذلك يحرمها من إمكانيّة الزّواج المجدّد ، فكما أنّ الصّلح والرّجوع إلى الزّوجة يجب أن يكون بالمعروف والإحسان والمودّة ، فكذلك الانفصال النهائي يجب أن يكون مشفوعا بالإحسان أيضا ، ولهذا تضيف الآية الشريفة (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً).
فعلى هذا الأساس لا يستطيع الزّوج عند الانفصال النهائي أن يأخذ ما أعطاها من مهرها شيئا ، وهذا المعنى أحد مصاديق التسريح بإحسان.
وقد ذكر هذا الحكم بالتفصيل في سورة النّساء الآيات ٢٠ و ٢١ حيث يأتي ذكره.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مفهوم هذه الجملة أوسع من (المهر) وقالوا أنّه يشمل كلّما أعطاه الزوج من الهدايا لزوجته أيضا (١).
وممّا يستجلب النظر في مورد الرّجوع والصّلح هو التعبير ب (المعروف) ولكن في مورد الفرقة والانفصال ورد التعبير (بإحسان) الّذي يفهم منه ما هو أعلى وأسمى من المعروف ، وذلك من أجل جبران ما يتخلّف من المرارة والكآبة لدى المرأة بسبب الانفصال والطّلاق (٢).
وتستطرق الآية إلى ذكر مسألة (طلاق الخلع) وتقرّر أنّه في حالة واحدة تجوز استعادة المهر وذلك عند رغبة المرأة نفسها بالطّلاق (٣) حيث تقول الآية
__________________
(١) تفسير الكبير : ج ٩ ص ٩٩.
(٢) الميزان : ج ٢ ص ٢٣٤ ذيل الآية.
(٣) وهو الطلاق الخلعي المشروح في كتب الفقه.